رواية بيت النغاس الجزء الثاني الفصل الثالث

 

بيت النغاس الجزء الثاني


الفصل الثالث


اقتربت منه وجلست بجانبه على الفراش، أمسكت براحة يده وطبعت عليها قبلة رقيقة مغلفة بعبراتها، ثم هتفت. 


-قلبي موجوع قوي على وجعك، وانت ولا حاسس بيا. 


قرر أن يمتص كل هذا الألم بلمسة من إبهامه الذي تحرك ببطئ على وجنتيها محاولاً تجفيفهم من هذه القطرات المسترسلة عليهما والذي لا يحب أن يراها ابداً.


-أوعي تقولي كده تاني، طب وحياتك انتِ عندي إذا كان جرحي دا بيألمني شوية، فادموعك دي بتقتلني يا روحي، عشان خاطري كفاية عياط.


ربتت على يده بهدوء وأنزلتها لتستكين على قدمها ثم همست. 


-ربنا ما يضرني فيك ابداً يا حبيبي، بس أنا كنت عايزة أفكارك بحاجة يا صابر ولو تعبان بلاش تتكلم دلوقتي. 


-لاء مش تعبان يا حبيبتي طول ما انتِ معايا، اتكلمي يا مريم عايزة تقولي ايه. 


-نور.


-نور!


-خالتك يا صابر إنت عارف إنها مش كانت قاصدة تضربك إنت بالمسدس. 


-عارف يا مريم عارف. 


-طب هتعمل ايه دي مقبوض عليها ومش بعيد يحبسوها هتسبها تتحبس. 


-لاء طبعاً دا أنا ما صدقت اني لقيتها دي هي الوحيدة اللي ظهرت لي عشان ترجعلي زكرى امي تاني تفتكري هقدر اسيبها تبعد عني. 


-تفتكر إنت ابوك هيسمح بكده، وخصوصاً بعد ما أخدت الطلقة بداله واكتشف حبك ليه وهو كمان مأنكرش خوفه وحبه ليك زي ما كان بيعمل الأول. 


بتنهيدة قصيرة افرغها من صدره المتألم وصوته المنخفض أثر ذلك الجرح اللعين طمأنها. 


-لاء طبعاً ومش بعيد كمان يرجع يكرهني تاني وترجع معاملته معايا للأسوء لما يلاقيني بخرجها من محنتها دي، لكن برضو مش هسيبها، 


المهم عندي دلوقتي إنك تفضلي جانبي وماتسيبنيش لحظة، أنا كده هخف بسرعة يا مريم. 


أبتسمت أخيراً على حديثه المرح معها أومئت له بالموافقة. 


-مين قالك اني هسيبك تاني ولا ابعد عنك لحظة اصلاً، انا بس هاروح البيت اغير الفستان دا وأجيبلك لبس نضيف واكل وارجعلك علطول يا حبيبي، 


بس يا رب بقى ماجيش لحد هنا والقيك روحت مع ابوك على القصر بتاعكم ده. 


فكر قليلاً ثم أومئ موافقاً لها. 


-طيب يا مريم بس هتروحي ازاي بالفستان دا، أقولك انا هاقول لمراد يوصلك ويقعد يستناكي مع عمك ولما تخلصي يرجعك ليا تاني. 


أنزعجت هيا مما هتف به ووقفت مرددة. 


-مالوش لزوم تتعبه معايا يا صابر انا هاخد تاكسي وخلاص. 


-أسمعي الكلام يا مريم يأما كده يأما تخليكي معايا هنا بفستانك دا. 


بالأخير اضطرت أن توافق على أمره حتى تنجز من وقتها وتعود اليه سريعاً.


و بداخل سيارة مراد جلست في المقعد الأمامي بجانبه، فهي لا تظن به السوء ابداً كما أنها تعتبره صديقاً لها مثل زوجها تماماً.


-خلاص يا مريم أطمنتي وشيلتي كل الأفكار الوحشة دي من راسك.


-هتصدقني لو قولتلك اني خايفة من اللي جاي اكتر يا باشمهندس.


ضم مراد حاجبيه مستنبطاً خوفها. 


-بصي يا مريم انا طبعاً مقدر خوفك دا بس هقولك اصبري شوية لحد ما صابر يشد حيله وتشوفي هايتصرف مع ابوه ازاي. 


-وحسن يا مراد! 


الأن زاد تعجبه من ظنونها الواهية، ثم انفرج ثغره بضحكة ساخرة.


-حسن لاء انتِ كده اكيد جرالك حاجة في عقلك من اللي شوفته امبارح يا مريم، اظن يعني إن حسن دا أخر واحد تخافي منه، واكيد عارفة هاي... فته وطريقة تفكيره.


معه كل الحق فيما قاله، لكنها أرادت تأكيد تحديثها بعين جامدة.


-معلش اصلك جيت المستشفى متأخر بعد هو ما مشي، دا ماهتمش أنه يستنى لما يطمن على اخوه، قالها لأبوه صريحة قصاد عيني


قاله أنا هامشي ولو حصل حاجة إبقى كلمني، تفتكر بقى لما يعرف إن صابر استرد صحته وان كل حاجة بقت ملكه هيفرح ويسكت يا مراد! 


توقف مراد أسفل منزلها بسيارته وتنهد بصبر.


-لو اللي بتقوليه دا حصل يبقى ليكي حق تخافي على جوزك، بس خلينا منسبقش الأحداث وربنا يخلف ظنوننا جميعاً يا مريم.


فتحت باب السيارة ترجلت منها وهي تأمن على حديثه.


-يا رب يا مراد ينجيه من الجاي. 


حاول والده مراراً وتكراراً بأن يقنعه بالعودة معه إلى القصر. 


-ترجع تقعد في بيت مريم ليه بس يا بني هو انت ماعندكش بيت ولا مش هتلاقي اللي هيرعيك عندنا. 


بصوت خفيض ونبرة متحشرجة أجابه وقد بدى عليه التعب. 


-والنبي يا بابا سيبني براحتي وبعدين هما مين الي هيراعوني دول لو قصدك على اخويا فهو حتى ماحاولش يستنى لما يطمن عليا و يشوفني هقوم من وقعتي ولا لاء،


ولو قصدك على أمه فأنت عارف كويس اوي انها تتمنى موتى النهاردة قبل بكرة.


حديثه أحرج والده جداً، يعلم أن ما يقوله هو الحقيقة لكنه سيتمسك بأخر خيط لديه. 


-أنا موجود يا صابر، سيبني اكفر عن ذنبي اللي ارتكبته في حقك واعوضك ولو

جزء بسيط من حبي اللي حرمتك منه كل السنين اللي فاتت دي، 


وكمان مش عايزك تفضل ظاهر نفسك وتبان قليل في نظر عروستك كده وتفضل قاعد في بيتها وبيت عيلتها. 


صمت صابر قليلاً يفكر وهو ينظر لأبيه بحزن ثم تحدث مدبراً امره. 


-خلاص يا بابا زمن العوض فات وقته، الحب كنت محتاجه وانا عيل صغير لما كنت بمرض وافضل نايم في سريري لوحدي بالأيام، 


و ماكنتش حتى بتفكر تدخل تطمن عليا وتشوفني عايش ولا ميت، كنت محتاجه لما نجحت في الثانوية العامة، 


ولا لما حتى اتخرجت من كلية الهندسة بتفوق وبدل ما تقولي مبروك لقيتك بتقولي يلا اعمل بلقمتك وانزل اشتغل في الشركة. 


كسرة اي اب ان يقف زليل أمام أبنه ولا يعرف أن يرد عنه اذاه، حتى لو كان هذا الأذى مجرد كلمات بسيطة، لكنه يتحمل مجبراً فولده تحمل الكثير منه من قبل. 


-عندك حق في كل كلمة قولتها، بس صدقني يا يابني اللي واقف قصادك دلوقتي ده فرج تاني خالص غير اللي انت تعرفه، مجرد أب روحه راحت منه لحظة ماشاف الرصاصة بتشق صدر إبنه والدم بيغرق هدومه،


للحظة حسيت ان الاهه اللي خرجت منك خرجت مني انا قبلك، سيبني يا صابر أكفر عن كل اللي فات ولو عايزني اقعد تحت رجليك يابني هعملها.


-معاذا الله يا بابا.


قالها صابر بألم وهو يحاول النهوض سريعاً ليتمسك بذراع والده قبل أن ينحني على قدمه ويقبلها.


اعاده والده الي رقدته والعبارات تبلل أهدابها.


-إهدي يا حبيبي وبلاش تتحرك حقك عليا لو كنت تعبتك.


-خلاص يا بابا أنا كويس، بس عشان خاطري سيبني على حريتي، وإن كان يا سيدي قعدتي في بيت مريم مضيقاك، خلاص انا اخدها ونروح شقتنا.


-تروح شقتك انت جيبت شقة خاصة بيك يا صابر. 


-ايوة يا بابا اشتريت شقة من فلوس شغلي عشان اتجوز فيها مانا اكيد ماكنتش هتجوز في بيت عروستي زي حضرتك ما بتقول. 


-طيب تمام اوي يا ابني ماختلفناش، بس انت بتقول انك جايبها عشان تتجوز فيها، وانت اصلا كاتب كتابك لسة على مريم يبقى المفروض بقى شقتك دي ماتدخلهاش غير وانت عريس


مش عايز

تاخد البنت كده كوتيمي شقة الزوجية وانت مضروب رصاصة في صدرك ماتجي برضو دي يا حبيبي.


صمت الأب مبتسماً وهو يغمز له بطرف عينه ليتفاجئو الأثنان بدخول اكثر النساء كرهاً له في العالم أجمع و في عقبها ولدها المدلل. 


-والله ما يحصل أبداً بعد الشر عليك يا حبيبي الف بعد الشر حمدلله على سلامتك يا صابر.


صابر بتعجب ملحوظ.


-مش قادر اقولك الله يسلمك اصلي مش مصدق نفسي بصراحة، إلحق يا بابا مدام درية بتدعيلي بالشفا. 


رمقته درية بنظرة لائم ثم هتفت متصنعة الحزن. 


-اخص عليك يا صابر، طب دانا بعتبرك زي حسن بالظبط وربنا اللي يعلم. 


-ازيك يا حسن. 


كانت هذه كلمة صابر الذي ابتسم لأخيه ابتسامة تعم على السخرية. 


-حمدلله على سلامتك يا صابر قلقتنا عليك يا اخويا. 


رفع صابر حاجبه متصنعاً التعجب مما تلفظ به أخيه. 


-لا يا راجل قلقت عليا! بجد قلقت عليا يا حسن،مش باين يعني دانت حتى ماحولتش تيجي وتطمن تشوفني مت ولا لسه عايش. 


حسن بهجوم غاضب. 


-مين قالك كده، أكيد هي اللي وصلتلك الكلام دا انا مش عارف كارهنا ليه وعايزة تشوه صورتنا قصاد عينك رغم اننا اتقابلنا جوازك منها مع أنها ماتنسبناش بأي شكل من الأشكال. 


اوقفه والده عن تكملة حديثه وهو يزجره بشدة 


-حسن ماتكلمش ولا كلمة زيادة مريم خلاص بقت مرات أخوك ودا اختياره. 


-ورضينا باختياره يا بابا بس معلش بقى مش لازم نرضى كمان بالأهانه ونسكت. 


ضم صابر حاجبيه بعنف. 


-اهانة مين يا حسن انت بتقول ايه مين دا اللي هانكم. 


-ليه هي ماقلتش ليك يا صابر مريم طردتني انا وأبوك من المستشفى امبارح، قعدت تزعق وتقول كلام مايصحش انه يتقال، ولو مش مصدقني اسئل عمها هو اللي بعدها عن أبوك لما شافه بيبكي، 


وانا بلعت اهانتي جوايا وسكت لحد انت ما خرجت من أوضة العمليات وطلعت العناية، 


وأول ما شافتني هناك زي ما تكون شافت تعبان قعدت تهلل وتصرخ وتقولي امشي من هنا،


ماستحملتش اسلوبها وبصيت لبابا وقولتله انا هاروح عشان ماما لوحدها وابقى طمني

مش دا اللي حصل يا بابا. 


لم يجد فرج شئ يقوله لأبنه فهمس. 


-الله يسامحك يا حسن ليه كده بس هو اخوك ناقص. 


وهنا تدخلت درية في الحديث بطريقتها اللعوب. 


-خلاص يا حسن اسمع كلام باباك ومتزودش على اخوك تعبه، المهم انه نجي من الحكاية دي وانتو مهما كان اخوات عمركم ما تهونو على بعض، وماحدش يقدر يفرق ما بينكم حتى لو كان مين. 


أحتد الأمر عليه نظراً لتعبه زمجر بخشونة. 


-بابا أنا تعبان من فضلك سيبوني ارتاح شوية. 


-طيب يا حبيبي نام براحتك واحنا هنقعد في الأستراحة


نظرت درية لحسن نظرة خبيثة وكأنها تكافئه على براعته في سبك الحوار، ثم زجته أمامها للخارج.


-تعالى يا حسن سيب أخوك يرتاح.


أغلق فرج عليه باب الغرفه حتى يتركه ينعم بالراحة وجلسو هم بالخارج ويراها تربط على يد أبنها وابتسم وهي تجلس بجانبه. 


-مالك مبتسمة كده، طب حتى داري شماتك في ابني شوية يا درية. 


دارت بسمتها سريعاً وارتسمت الوجوم على وجهها. 


اخص عليك ، أنا برضو أشمت في صابر، ربنا وحده اللي يعلم أنا زعلانه عشانه أد ايه إن ماكنش عشان هو اخو ابني فاعلى الاقل دا ابنك برضو يا فرج. 


رفع حسن جانب شفاه العلوي ساخراً من حديث والدته متذكراً ما حدث بينهم في الصباح. 


ولجت عليهالغرفة وعيناها يخرج منها الشرار، 

فتحت ستائر الغرفة بكل عنف وملئ ضوء النهار داخلها، ثم اتجهت نحو هذا المنقلب على وجهه وغافي في نوم عميق.


-انت نايم يا أخرة صبري، ليك عين بالك يرتاح ويجيلك نوم بعد اللي عملته فيا وفي نفسك يا حسن.


توارت أهدابه بتثاقل ورفع له راحة يده مشيراً لها بالخروج.


-ماما لو سمحتي اطلعي برة، سيبيني اكمل نومي ولما اصحى ابقى قولي اللي انتِ عايزاه.


لم تتمالك درية السيطرة على أصابها أكثر من ذلك، صرخت فيه وهي تصفعه على كتفه من الخلف.


-يا برودك يا أخي بقى بعد ما خسرتنا كل حاجة جايلك عين تنام، في لحظة كده تبيعنا وترمي كل حاجة لأخوك.


اخفض رأسه بخزي من حديثها. 


-وأنا كنت اعرف منين إنها بتلعب بيا اللعبة القذرة دي، كنت اعرف منين انها بنت خالته وبتعمل فيا كده عشان في الاخر تضحك عليا، تسيبني وتروح تتنازله عن كل حاجة كده بالساهل 


-قصدك على المحروسة اللي كنت ناوي تتجوزها، ماهو من خ... روحت إتنازلت ليها عن كل حاجة، بس بنت ال... لعبتها صح أوي هي وأمها. 


رفع رأسه لها بغضب وصرخ. 


-مش هسيبها، وحياتك انتِ عندي لاخد حقي منها وتشوفي يا ماما. 


جلست درية أمامه بهدوء تام وأوضحت له بكل ثقة. 


-كل اللي إنت بتقوله دا مش قضيتنا دلوقتي في الأول وفي الأخر إنت الغلطان، اللي يهمني دلوقتي إنك تكون جانب ابوك لحد ما تطمن على المحروس ابنه الكبير اللي انا مش فاهمة أزاي تسيب المستشفى ولا وتيجي من غير ما تشوفه جراله ايه. 


-أنا ماسيبتش المستشفى إلا لما اطمنت على اخويا وطلع من العمليات بس كمان ماطيقتش الست عروسته دي وهي واقفة تتحداني بالكلام. 


-سيبك من البت دي ، دي أمرها سهل وهنلاقيلها طريقة عشان نقدر نزيحها من طريقنا خالص، المهم دلوقتي لازم تظهر في الصورة قدام صابر وتباينله انك خايف عليه


وابوك لازم يرجع يحبك تاني، بأي طريقة لازم ترجع املاكهم في ايدك انت فاهم. 


-خلاص يا ماما لما يبقي يطلع من المستشفى ويرجع البيت أوعدك إني هكون زي ظله لكن طول ما البرنسيسه مريم معاه تأكدي انه مش هقبل حد مننا هناك. 


-يبقى نخليه يمشيها هو بنفسه. 


انتبه لما قالته ولحاجبها الأيمن الذي ترفعه مما ظهر علامات المكر والخبث على وجهها. 


-ودي هنعملها ازاي يا ماما. 


-أستخدم عقلك شوية يا أخي أنت مش بتقول انها طردتك من هناك خلاص قول لأخوك على اللي حصل بقى. 




ها هو يعود بذهنه إليهم و يبتسم رغماً عنه لوالدته التي تجلس بكل طيبة تربت على ظهر أبيه متعاطفة معه، غمز لها بطرف عينه ضاحكاً بهدوء على دهائها ومهارتها في الأداء. 


كما عادت مريم أيضاً إلى حبيبها بوجهها الحزين، الذي زاد على حزنه الغضب حين رأت ثلاثتهم يجلسون بغرفة الأستراحة المتصلة بغرفته،


أزاحت وجهها عنهم وألتفتت إلى مراد اللاحق بها، كأنها تؤكد له ظنونها، 


فهتف لهم. 


-السلام عليكم جميعاً. 


ضم حسن حاجبيه من ولجوهم معاً، لكنه فضل الصمت مستمعاً إلى حديث أبيه.


-وعليكم السلام رجعتو بسرعة يا مريم انتِ ومراد.


لم تتحدث وتركت لمراد الرد. 


-في الحقيقة يا فرج بيه مريم أنجزت بسرعة وماخلتنيش استناها كتير، اخبار صابر ايه دلوقتي. 


وقف حسن موصود اليدين أمامه ساخراً منه. 


-نايم اخويا نايم يا باشمهندس إنت بقى هتفضل سايب شغلك هتفضل داير مع مرات صاحبك لحد ما يقوم هو ولا ايه. للمتابعة اضغط هنا

تعليقات