الفصل الرابع
لم تتحمل ما قاله هذا التافه في حقها،
تأهبت للعراك معه وكادت أن تصرخ في وجهه لكن مراد قرر أن يخرسه بطريقة مهذبة.
-لاء هو اللي انت مش واخد بالك منه أن صاحبي في شدة يا حسن، وهو اللي طلب مني أن أوصل مراته وأفضل معاها لحد ما ارجعها ليه تاني
أما بقى بالنسبة لشغلي، فأنا أسف أوي اني أقولك ان دي حاجة ماتخصكش، لأنك لا مديري ولا حتى تملك سهم واحد في الشركة اللي انا شغال فيها.
ثم استدار الي والده مستئذناً بكل أدب.
-أنا كده عملت اللي طلبه مني صابر يا فرج بيه عن إذن حضرتك، مريم لو احتجتيني معاكي رقمي اطلبيني في اي وقت.
ابتسمت له وأومئت بالموافقة ثم رمقتهم جميعاً بنظرة مذدرئة وفتحت باب غرفة زوجها ثم دلفت أليه وأغلقت الباب في وجوههم
لم يكن غافياً كما قال لأبيه، بل كان ينتظر قدومها على أحر من الجمر،
صحيح انه غاضب مما حاكاه أخيه وسيعاقبها على فعلتها، لكن قلبه الجريح لن يطمئن إلا معاها هي فقط،
ها هي تلج اليه وتغلق الباب خلفها، تراه مستيقظاً مستسلماً لرقدته هذه، لكن عينه يوجد بها جمود لم تعهده من قبل،
وضعت ما بيدها من حقائب على الأريكة وتقدمت نحوه وهي تستمع الي كلماته.
-حمدلله على السلامة يا هانم.
ضمت حاجبيها بعدم فهم عندما شعرت بنبرة الغضب تغلف صوته فرددت له ساخرة.
-الله يسلمك يا باشا، هو انا اتأخرت عليك ولا أيه.
-لاء
-اومال مالك حساك زعلان كده أو في حاجة مضيقاك، ولا يكون حد من الجماعة اللي برة دول زعلك بكلامه كالعادة.
-تصرفاتك هي اللي مضيقاني مش أي حد تاني.
هنا فقط اهتمت لحديثه تركت ملابسه التي كانت تضعها له في الخزانة من يدها وانتبهت لما يقول.
-تصرفاتي! أنا عملت ايه زعلك مني في الساعتين اللي سيبتك فيهم يا صابر.
-قليتي أدبك وطردتي أخويا وابويا وانا في العمليات يا مريم.
جحظت عيناها حين تفاجئت بسبابه لها، صمتت قليلاً تستوعب ما يقوله
أحقاً هو يهاجمها الأن؟ يدافع عن من! ومنذ متى وهو يخاف على شعورهم، يسبها و يهاجمها من أجل من ظلموه طيلة حياته!
لا وألف لا لن تخضع او تذل او حتى تدافع عن نفسها وإن كان هو يهاجمها من أجلهم فلا داعي لوجودها معه الأن وهنيئاً له بهم.
-أولاً أنا مش قليلة الأدب يا صابر بيه،
ثانياً انا ماطردتش حد، وبما إنك الحمدلله بقيت كويس وقدرت تسمع اتهامي وتصدقه لاء وكمان بتحقق معايا فيه،
فأنا كده ماليش لزمة هنا والبركة بقى في والدك وأخوك عن إذنك.
مع شعوره بالألم وضع يده على جرح صدره وصرخ في وجهها.
-رايحة فين بطلي فلسفة وتعالي جانبي هنا، انتِ مش هتروحي في حته تاني من غير اذني،
اصلاً خلاص انا لما اخرج من المستشفى هاخدك ونروح على بيتنا،
وتاني مرة اوعي تتكلمي مع حد فيهم بالطريقة دي فاهمة يا مريم.
-لاء مش فاهمة يا باشمهندس.
وقفت تتحداه بعيناها الممتلئة بسيل وفير من العبرات ويهدد بالسقوط على وجنتيها
ثم تخلت هي الأخرى عن جمودها وصرخت في وجهه.
-أنا مش مراتك عشان لما تخرج بالسلامة تاخدني بالساهل كده وتروح على بيتك، إحنا حايلاه مكتوب كتابنا، ودا عادي ممكن ينفض في أي وقت،
وكمان أنا مش مجبورة اتكلم مع حد أنا مش عايزة اتكلم معاه،
وبدل ما تتعب نفسك أكتر من كده أنا هامشي ومش هاجي هنا تاني وانت لو عايزني اكيد انت عارف مكاني سلام يا صابر.
كادت أن تتركه بالفعل وتخرج من الغرفة لكنها تفاجئت بإنخفاض صوته و وهنه وهو يحاول أن يزجرها بالحديث.
-أظن يا هانم يالي بتفهمي في الأصول، انه مش من الزوق ابداً أنك تسيبي جوزك في الحالة دي وتمشي،
ولا خلاص مبقاش يهمك أمري يا مريم.
أغمضت عينيها بقوة وتنهدت صبراً ثم ألتفتت اليه وعادت تقترب من المقعد المجاور له وجلست عليه موصدة يديها أمام صدرها في صمت.
بسط راحة يده بجانبه على الفراش، ثبت نظرة عينه على وجهها المكتظ بحُمرة الغضب، فهمت مقصده ووضعت راحتها الصغيرة داخل كفه ليكمل هو.
-افهمي بقى أبويا عايزني أخرج من المستشفى على بيته زي ماتوقعنا قبل ما تمشي بالظبط،
قالي ماينفعش ابن فرج النغاس يخرج من تعبه على بيت أهل مراته ويبقى عاله عليهم،
قولتله مش هيحصل بس كمان مش هقدر ارجع القصر تاني.
سحبت يدها من يده وسخرت منه متحدياه.
-أممم فتعمل ايه بقي تسحب ال... اللي خلاص اتربطت بيك وتاخدها معاك مطرح ما انت عايز
وكأن ماليش أهل هيرفضو طبعاً إني أعمل كده.
امسك راحتها مرة أخرى وضغط عليها بقوة وحاول أن يعنفها ويريها جزء بسيط من غضبه.
-إن كان على عمك فسبيه عليا انا عارف أنه مش هيقول لاء لما أكلمه في الحكاية دي،
لكن اللي أنا عايز افهمه إنتِ ليه رافضة مش دا اللي كنا بنتمناه انا وانتِ.
كل كلمه خرجت من ثغره كان يليها ألم في يدها أثر ضغطه عليها،
لكن ألم قلبها كان أشد هي لا تريد أن تحزنه، لكنها أيضا لم ترى معه فرح منذ أن ارتبطت به،
كيف تقول له انها تتمنى أن ترتدي له الأبيض مثل كل عروس،
بل هي كانت تحلم بيوم عرسها وزفافها له، يوم عقد قرانها كان مليئ بالمشحانات، والأن يخبرها أنه لن يكون لها يوم زفاف فمتى ستفرح تلك الحزينة.
لاحظ هو صمتها، رجفة يدها بين راحته القوية، فقرر ان يخفف ضغطه عليها يشملها بقليل من حنانه.
-أنا عارف انتِ بتفكري في ايه دلوقتي، عارف إنك كان نفسك أعملك فرح كبير بس أعمل إيه الظروف هي اللي بتعاندني،
أنتِ بس خليكي معايا وانا وحياة مريم عندي لكون عاملك أحسن فرح في الدنيا كلها.
لم تجيبه بالكلام، لكن لسان حالها قال له كل ما تخفيه فقط من نظرة عيناها.
-إمتى يا صابر.
قرئها صريحة داخل بندقيتها الجميلة، فزفر أنفاسه متنهداً مغمضاً عينه بألم هاتفاً.
-وحياتك عندي ليحصل يا مريم بس أصبري معايا شوية صغيرين كمان،
أنا بجد محتاجك جانبي عشان خاطري ماتخليهمش يستقوو عليا بيكي انتِ كمان مش عايزك تبقي نقطة ضعفي اللي يعرفو يضغطو عليا بيها يا قلبي.
مازلت محتفظة بصمتها، و عينيها يزرفو الدمع، فحاول أن يجذبها بجانبه على الفراش مترجياً.
-عاوز أنام في حضنك يا ماما، أنا تعبان ومش هارتاح غير لما تحضنيني.
جلست بجانبه بالفعل، وأراحت رأسه على صدرها، وبدئت تمسد بيدها على شعره نزولاً على وجنته هامسه.
-ارتاح يا حبيبي أنا جانبك وعمري ما هاسيبك أبداً، ويبقى حد يفكر بس يأذيك حتى بكلمة شوف أنا هعمل ايه.
-لاء
قالها منتفضاً بألم محاولاً ارجاعها عن هجومها وتهورها الدائم.
-تعبتيني يا مريم، يا حبيبتي أفهميني بقى، اخويا وامه مش هيهدو الا لما اتنازل عن الأملاك تاني ارجعها بأسم حسن او حتى بأسم ابويا
المهم درية الحية دي هتعمل اي حيلة عشان ابويا يرجع يكرهني تاني،
أنا بقى مش عايز اديهم الفرصة دي، مش عايزهم يحتكو بيكي بأي طريقة،
ارسمي على وشك ملامح الطيبة من ناحيتهم عشان خاطري وماتديهمش الفرصة عشان يمسكو عليكي غلطة.
أخيراً ما استسلمت لحديثه وتنهدت بقلة حيلة مرجعة رأسه في حضنها.
-حاضر يا صابر بس أنا مش قليلة الأدب، أوعى تقول عليا كده تاني.
أبتسم على ضجرها الطفولي، تمدد براحة مستسلماً النعاس وهو محتضنها أمراً لها.
-طب سيبيني أنام في حضنك بقى عشان ارتاح، وماتسبيش الأوضة وتخرجي لو مين دخل هنا تفضلي جانبي يا مريم.
-الله ماقولتلك حاضر أنت بتخوفني عليك ليه، انت نمت يا صابر.
لم يجيبها بأي كلمة أخرى، بالفعل ثبت في نوم هادئ وعلى ما يبدو أنه قد حل عليه الألم.
تأملت بجانبه وهو مستسلم للنوم على صدرها، احتضنته جيداً وكأنه طفلها بالفعل،
تحبه وتخاف عليه ولا تجرؤ ان ترى فيه أي مكروه، فكيف لا تدافع عنه، كيف لا تنهش لحم من يجرؤ ويمسه بسوء.
دق الباب دقة واحدة وفُتح بروية ليلج منه الطبيب و يليه والده وأخيه.
خجلت هي من ولوجهم، حاولت التملص من جانبه منتفضة، ففتح عينه بتثاقل ناظراً لها.
-مالك في ايه.
لم يأتي الرد منها، بل إستمع إلى سخرية أخيه هاتفاً.
-ولا في اي حاجة يا باشا، الدكتور بس جاي يطمن عليك، وبعدها هنسيبك تاخد راحتك على الأخر.
حديثه أعطاها شعور بالأهانة، كادت أن تصرخ في وجهه لتأخذ حقها، وهي واقفة جانب الفراش إلا أن يد زوجها ضغطت على يدها لترى في عينه أشارة الصمت.
وهنا تحدث الطبيب بجدية.
-لا دا احنا بنتحسن بسرعة يا باشمهندس شكلك مش حابب القاعدة معانا وعايز تسيبنا وتمشي بسرعة.
للمرة الثانية يتدخل حسن بتطفله اللزج في الحديث ساخراً.
-أكيد طبعاً يا دكتور، ما هو طول ما مريم حنينة عليه كده هيقعد هنا ليه، دا انا لو منه أخف من غير علاج اصلاً.
-حسسن.
هذه المره هتف بها والده صارخاً في وجهه ليصمته قائلاً.
-أخوك مش فايق لهزارك الزايد عن اللزوم دا، وعروسته ست البنات كلهم كتر خيرها انها واقفة جانبه من امبارح،
يا ريت انت بقى توفر كلامك ده لحد ما يقوم بالسلامة وعايز تهزر بعد كدة ابقى هزر براحتك.
لم يعطي صابر لحديثهم أي اهتمام، وجه حديثه للطبيب قائلاً.
-أنا هاخرج أمتى من هنا يا دكتور.
-دا انت مش عايز تقعد معانا بجد بقى، على العموم يا سيدي لسة شوية انت لسه خارج من العمليات امبارح، ياريت بقى ماتستهونش بجرحك دي رصاصة كانت ماتبعدش عن القلب غير بمسافة قصيرة.
-الحمد لله على كل حال يا دكتور.
وبعد ان ترجل الطبيب خارج الغرفة، ولجت درية إليهم، وجلست بجانب مريم تربت على يدها وترتسم الطيبة على وجهها.
-والله طلعتي بنت أصول يا مريم، وفوق كده ادب وجمال يا حبيبتي.
تلك المراءة اللعوب تتلون مثل الأفعى كما قال لها زوجها، أهذه التي كانت تناظرها بعين الغضب بالخارج ما بال حب مريم سقط في قلبها مرة واحدة.
ازاحت يدها من عليها بهدوء واصطنعت الأبتسامة قائلة.
-متشكرة أوي لحضرتك يا طنط.
تهجم وجه درية فجائة، و ضحك صابر بصوت شبه متألم.
-قوليلها يا درية يا مريم، أصلها مش بتحب تكبر نفسها.
وقبل أن تحاول درية ان ترد أهانتها، دق الباب عليهم فاتجه حسن نحوه وفتحه.
ومن يكون سواه الصغير ديشا قد أتى مع والده، لكنه دلف متزمراً ومستاء من شئ ما.
ألقى ابيه على الجميع السلام بينما جرى الصغير نحو صابر يحاول النهوض له على الفراش وهو يهتف.
-كده يا مريم قولتلك استنيني لحد ما اطلع شنطة المدرسة، انزل القيكي مشيتي وسيبتيني.
-معلش بقى يا ديشا، انا قولت اسيبك ترتاح شويه وكمان كنت مستعجلة عشان ماتأخرش على صابر.
نفض يده لها بلا مبالاة ووجه حديثه اليه بعد أن قبله في وجنته بحب.
-أنا اصلاً مخاصمك ومش بكلمك، الف سلامة عليك يا صاحبي،
انا من ساعة ما عرفت وانا مابطلتش عياط ولما هي مشيت وسابتني صممت اخلي بابا يجبني ليك علطول،
حتى بص انا جيتلك بلبس المدرسة اهو.
ضحكو جميعاً على حديث الصغير، وأكمل والده.
-والله يا بني من لحظة ما شافها وهي بتجري على السلم دموعها مغرقة وشها، وهو عمال يعيط ويقولي عايز اشوف صاحبي وديني ليه، هي مشيت وسابتني ليه.
قبله صابر في وجنته واحتضنه جيداً.
-ديشا دا حبيبي، وصاحبي اللي ماقدرش استغنى عنه ابداً.
-خلاص خليها هي تروح مع بابا وانا اقعد معاك هنا.
لقد امسك هذا الصغير المحبب إلى قلبه مربط الفرس مثلما يقال،
قصر عليه الطريق في مناهدة مع مع والده ليتوجه اليه بالحديث.
-كويس إنك فتحت الموضوع دا يا ديشا، في الحقيقة انا كنت عايز اتكلم معاك بخصوص كده يا عمي عمران.
-خير يا صابر أومر يا بني، ايه عايز مصطفى يبات معاك صحيح!
ضحك الجميع لمداعبة الرجل وهذه المرة تحدث والده.
-لاء طبعاً يا حاج صابر مايقصدش كده، هو بس كان عايز مريم هي اللي تفضل معاه.
نظر عمران اليها بوجوم فبرغم ما حدث بينهم في الصباح لكنها بالأخير أبنة أخيه ولن تهون عليه أن يتركها هنا وحدها.
-ومالو يا باشا صابر كاتب كتابه عليها وفي حكم مراته،
تجيلو كل يوم من طلعة النهار وتفضل معاه لحد الدنيا ما تمسي، لكن تبات هنا لاء اعذرني يا بني يعني دي بنت وانا أخاف عليها.
-أنا أخاف عليها أكتر من أي حد يا عمي عمران،
بس دي مراتي وأنا محتاجها جانبي في شدتي،
عايزها معايا مش بس هنا في المستشفى لاء وبعد ما أخرج من هنا هنروح انا وهي على بيتنا.
تفاجأ الحج عمران برده برغم حالته هذه
لم يتخيل ان يطلب منه هذا الطلب.
-تروح معاك على بيتك! ودي تيجي منك انت برضو يا ابن الأصول
تاخدها كده سكيتي من غير فرح ولا حتى نعرف أهل الحتة واقولهم اني سترت بنت اخويا، ترضهالي يا صابر.
فرحت من داخلها بما هتف به عمها، لقد خيب ظنها فيه وهتف بعكس ما توقعت،
رفع شأنها أمام هؤلاء المتعجرفين ولم يحني رأسه لأحد.
تشنج جسد صابر بإنزعاج وبدء يثور ويعلو صوته فعلى ما يبدو أن مكوثها معه سيكون أول معاركه التي سيخوضها مع الجميع.
-هو انا هاخدها من وراك، مانا بستأذنك اهو،
وأظن انا مش في حالة تخليني أقدر اعمل فرح،
وكده كده كنا هنتجوز بعد شهر يبقى تسيبني ليه دلوقتي.....
حاول والده تهدئته وأجباره على عدم التحرك.
-أهدى يا صابر كفاية يا بني عشان جرحك.
نظر عمران أليها بوجه متسائل.
-ما تتكلمي انتي بتعيطي ليه، انتي موافقة على الكلام ده.
من وسط شهقاتها هتفت.
-والله يا عمي قولتله انك مش هتوافق.
-وأنا مش مستني موافقة حد، انتِ مراتي وهتفضلي معايا وهنخرج من هنا على بيتنا غصب عن أي حد.