الفصل الأول
كانت صورة وجهها الجميل الباكي أخر صورة سجلتها ذاكرته،
و بعدها أغمض صابر عينه ولم يعي اي شئ مما يحدث حوله بعد أن التصق رأسه بصدر والده
تمسكت يده بيد معشقوته مريم التي بتات تصرخ في الجميع.
-إسعاف
حد فيكم يطلب الإسعاف بسرعة.
تخلت ليلي هي الأخرى عن مكانها وجرت إلى والدتها تمسكت بذراعيها وصرخت والعبرات تختلط بكحل عينيها.
-عملتي كده ليه يا مامي مش صابر اللي كان لازم يموت، انتِ قتلتي صابر يا مامي.
وهنا هرمت نور ولم تقوى قدميها على الصمود، إذ ركعت على ركبتيه بجانبه وهي تهذي وتحاول ان تلطم وجنتي فرج.
-لاااااااء صابر قوم يا حبيبي، مش انت اللي لازم تموت، بتضحي بنفسك عشان مين هو دا كان من متى بقى أب ليك عشان تفديه بروحك،
أنا لسه ماشبعتش منك و مافرحتش
بيك يا صابر، كنت عايزة اعوضك فراق أمك تقوم تروح ليها وتسيبني بسرعة كدة.
نفض فرج يدها و زجها بعيداً عن صدر ولده صائحاً في وجهها.
- قتلتيه يا مجرمة ابعدي عنه، ابني لو جرى ليه حاجة هقتلك بأديا دول.
زمجرت نور بصراخ عارم، وإذا بها تعتدل من سقوطها وتحاول البحث عن سلاحها الذي سقط من بين يدها.
-أنا برضو اللي مجرمة عايز تقتلني زي ما قتلت أختي، واتسببت في قتل ابنها يا قاتل.
وقبل أن تلتقط سلاحها مرة ثانية وجدت قدم درية تضغط على راحتها وتشير بيدها للحرس الخاص بالقصر بأن يسرعو أليها ويتحفظو على تلك الجانية.
- إنسي يا نور عايزة ترتكبي جريمة قتل تانيه وفاكرة اننا هانقف نتفرج عليكي، جاية بعد عشرين سنة تفتكري ابن اختك،
جاية تقولي ليكي تار وعايزة تاخديه من جوزي، عشان بعد كدة تفرحي ابن أختك طب اهو حصلها،
يلا جهزي نفسك انتِ كمان عشان تروحيلهم بعد ما يحكمو عليكي بالأعدام.
وإذا بأحد الحرس يهتف.
-من فضلكم وسعوا طريق للأسعاف،
مدام درية البوليس وصل.
بلحظة كان الجمع الغفير قد انفض وانشق إلى شقين.
حاول السيد براد ان يخلص زوجته، من بين ايدي الرجال لكنه لم يقوى على ذلك وتم القبض عليها.
بينما نقل صابر إلى سيارة الإسعاف ولم تفلت مريم يدها من يده، بل و صاحبتها أيضاً ليلي التي أصرت نور ان تذهب معه لتطمئنها عليه بعد ذلك.
كل هذا كان يحدث تحت نظرات حسن الذى وقف صامتاً لنهاية الأحداث، وكأنه يشاهد فيلم مصور أمام عينه،
حتى بعد أن نقل اخوه إلى المشفى وذهب خلفه والده الذي لم يفعلها في حياته،
انتبهت درية لوقفته أخيراً فذهبت أليه.
-حسن
وجهه المتهجم مازال محتقن بالدماء، لكنه انتبه ليد والدته التي بدئت تهزه بقوة حتى يعود إلى رشده و فاجئها بحديثه الهزلي.
-دي كانت بتخدعني يا ماما، سابتني قبل ما أكتب كتابي عليها وراحت وراه هو.
-ما هو كله بسبب غبائك يا قلب أمك، روحت سلمت دقنك لحتة بت لا راحت ولا جات،
وفي الأخر ضحكت عليك وباعت كل حاجة لأخوك حبيب قلبك،
ثم أعطته ظهرها وجلست على أقرب مقعد له وهي تضرب فخذيها بتفكير.
-بعد ما كنت قولت خلاص، حطينا إيدينا على كل حاجة جيت حضرتك بكل سهولة ضيعتها من إيدينا.
-عشان حبتها يا ماما، وطريقتها معايا كانت بتبين ليا انها هي كمان بتحبني،
تقوم تسيبني وتعمل فيا كده وفي الأخر تروح وراه هو ليه.
ضحكت درية بشماتة وهي تفيق أبنها على ما حدث.
-أسكت مش طلع أبن خالتها، اه يا ناري كانت بترسم عليك الحب والغرام عشان تقدر توصل لغرضها،
بيعتك اللي حيلتنا كله وراحت بكل سهولة رمته لصابر اللي انا من ساعة ما اتجوزت أبوه بزل فيه وبنغس عليه عيشته،
بس خلاص أهو حصل أمه، صحيح نقلوه على المستشفى ولسه فيه الروح، بس الطير لما بيتدبح بيفضل يفرفر برضو حبه لحد روحه ما تطلع.
لمعت عين حسن بحقد، وكأن حبه لأخيه قد تحول نحوه إلى كره.
-ايوة يا ماما معاكي حق، لو صابر مات كل حاجة هترجع لينا تاني،
أما بقى الهانم اللي جريت وراه دي و سابتني وحياتك عندي لخليها ترجعلي تاني، وتبوس على رجلي بس عشان أوافق اني اتجوزها.
-المهم عندي دلوقتي إنك تلحق أبوك وتقف جانبه، احسن دا باينه قلبه حن ليه تاني، واهو لما الدكاترة يقولوا كلمتهم يتسند عليك انت ويعرف انه مبقاش ليه غيرك.
وصلت سيارة الأسعاف إلى المشفى، التي انقلبت رأساً على عقب عندما ولج صابر على السرير النقال بداخلها.
نزع الأطباء يد مريم من داخل راحته بأعجوبة، حيث كانت راحته مستميتة على يدها وهي أيضاً متشبثة به جيداً.
وعندما أخذوه إلى غرفة العمليات وقفت بجانب الباب تبكي وحدها وتدعو ربها بأن يعود أليها سالماً، ولم تبالي او تهتم لشجار فرج مع ليلي،
وقفت تنتظر ان يطمئنها أحدهم بفارغ الصبر، وبعد مدة طويلة، انتبهت لرنين هاتفه الذي اعطوه لها الأطباء مع جميع متعلقاته،
وعلمت ان المتصل عمها عمران، فأجابت الأتصال بصوتٍ حزين.
-ألو يا عمي.
قابلها هو الرد بصوت غاضب جاهور.
-وكمان انتِ اللي بتردي على تليفونه، انتِ فين يا بنت ال...
كل دا البيه اخدك و روحتي على فين، ماكنش فرح اللي روحتو تحضروه دا عشان تتأخرو لحد دلوقتي.
استمعت إلى حديثه للنهاية ثم قالت جملة واحدة.
-صابر انضرب بالنار يا عمي، إحنا في مستشفى... وهو دلوقتي في العمليات.
وبعد ذلك أغلقت الهاتف وعادت إلى بكائها في هدوء.
وفجائة وجدت ليلى تأتي أليها سريعاً، لتحتمي بها من بطش النغاس الكبير الذي ظل في حالة هياج مرعبة لهم هم الأثنتان،
لكنها تفاجئت بحديثه الحنون معها.
تخلت مريم عن صمتها، كما نفضت يد الأخرى وبدئت تهاجمه بصراخ.
-أبعدي عنها يا مريم سيبيها مادفعيش عنها، دي هي وأمها اللي قتلوا جوزك يا بنتي.
-بنتك! دلوقتي بتقول عليا بنتك، نسيت الكلام الوحش اللي قولته في حقي وانا بشتغل في شركتك،
ولا انا مستغربة ليه، إذا كان قلبك نفسه ماتفتحش لأبنك إلا لما وقع غرقان في دمه بين إيديك،
لو صابر جراله حاجة هيكون السبب فيها إنت مش اى حد تاني يا فرج بيه.
وحين ذلك ظهر حسن في المشهد وقرر ان يجذب والده ويجلسه بعيداً عنهم.
-بابا أرجوك أهدى شوية خلينا نطمن على صابر الأول وبعديها نبقى نشوف مين هيفضل ومين هيستنى.
كانت نظرته لها كسهام نارية تخترق جسدها، وتنهش في لحمها، فافضلت أن تواري عيناها من عينه وتحني رأسها متجنباه وهي تستمع إلى حديثه مع والده.
-إنت كنت فين يا حسن، سايبني وسايب اخوك في محنته دي مختفي ليه؟
-أنا مش سايبكم ولا حاجة يا بابا، بس استنيت هناك لحد البوليس ما مشي وبعدها جيت على هنا على طول.
-شوفت اللي حصل لأخوك يا حسن.
-هيقوم منها يا بابا ماتقلقش صابر جامد و قوي.
نظر فرج إلى مريم نظرة عطف وأسف وقال.
-مريم معاها حق، انا السبب في اللي جراله
دا، كان لازم أنا اللي أخد الرصاصة بداله مش هو.
ربت حسن علي كتف والده محاولاً تهدئته بعد أن رأى دموعه لأول مرة في حياته، ورمق ليلي بنظرة غضب صائحاً.
-ولا أنت ولا هو يا بابا، وأطمن صابر هيقوم لينا بالسلامة،
الدور والباقي بقى على الغدارة هي وامها، اللي فاكرين انه لما يقوم هيسامح ويترمي في حضنهم.
بادلته ليلي نفس النظرة الحاقدة واتجهت بالحديث إلى مريم.
-بيقولو عليا أنا وأمي غدارين عشان حبينا نرجع للمظلوم حقه، مع أنهم هما أساس الطمع والغدر.
نفضت مريم يدها من يد ليلي وصرخت فيهم جميعاً.
-إنتو إيه ماعندكوش قلب مش قادرين تحسوا بالمرمى بين ايدين ربنا جوه ده وعمالين تتخانقوا،
حرام عليكم بقى لو مش قادرين تسيطروا على أعصابكم امشوا وسيبونا في حالنا بقى.
صمتوا جميعاً وتحولت كل الأنظار أليها، هي معها كل الحق فيما تقوله فهي الوحيدة التي لجئ أليها صابر و وجد راحته معها.
-مريم.
رفعت راسها لمن يناديها وجدته، مراد صديق زوجها الوحيد.
-صاحبك بيموت يا مراد.
قالت جملتها وأجهشت في البكاء، لتجد يد عمها الذي حضر أليها أيضاً تجذبها إلى صدره وضمها بقوة قائلاً.
-لاء ماتقوليش كدة يا حبيبتي، ادعيله يا بت قولي يا رب نجيه وعديه منها على خير.
كان بكائها حارق للقلوب إذ صرخت وهي تغمس وجهها في صدر عمها.
-يا رب يا عمي يا رب.
تفاجئوا جميعاً بباب غرفة العمليات وهو ينفتح على مصرعيه وترجل منه الأطباء فقط.
الكل وقف منصدم لعدم رؤيته يترجل معهم كما دلفوا به، ولم يقوى أحد على السؤال، فأضطر مراد أن يتولى هذه المهمة وأوقف الطبيب بسؤاله.
-لو سمحت يا دكتور إحنا محتاجين بس حد يطمنا و يعرفنا وضع المريض ايه دلوقتي.
-الحمدلله نقدر نقول الخطر زال بنسبة أربعين في المية بس لأن الرصاصة كانت قريبة أوي من القلب،
هو دلوقتي طلع العناية المركزة وهيفضل تحت الملاحظة الأربعة وعشرين ساعة الجايين لو عدوا على خير يبقى الخطر زال نهائي.
تركت مريم يد عمها وجرت إلى الطبيب ثم أنحنت على يده تحاول تقبيلها.
-أبوس ايدك يا دكتور أنا مراته وعايزة أطمن عليه.
ابعد الطبيب يده سريعاً قبل أن تقبلها وهتف.
-أهدى يا بنتي، اصلاً ممنوع حد يدخل العناية لكن ممكن تشوفيه من الخارج بس.
جرت مريم نحو المصعد واتبعها عمها ومعه مراد وليلي ، وهنا تنهد فرج الصعداء ووقف هو الأخر ليتوجه نحو المصعد،
لكنه إندهش لوقوف حسن و ثباته في مكانه.
-يلا يا حسن واقف مستني إيه خلينا نطمن على اخوك.
كان يقف مصدوماً مما استمع أليه، ليس هذا ما كان ينتظره من حديث الطبيب،
كان قد هيئ نفسه بأن يقول له ان أخوك قد فارق الحياة، لكن أن يعود أليها هكذا وكأن شئ لم يكن!
هذا معناه أنه سيضع يده على كل شئ، ويكون هو الأمر الناهي في مال أبيه!
لا لن يحدث ذلك وإن اضطر هو لقتله بيده.
-حسن مالك يا ابني انت كمان، بقولك يلا عشان نطمن على أخوك.
أنتبه حسن لصوت والده فا هم بالذهاب معه دون حديث،
كأنه قد مسه شيطان رچيم و تحول كل حبه لأخيه الوحيد إلى كره بائن.
التصقت مريم بهذا الزجاج الذي يحول بينها وبين من أستحوذ على قلبها، بل و تقسم بأنه أمتلك روحها،
تراه يتمدد على الفراش لا حول له ولا قوة، هذا التي أعتادت دائماً أنه يقف كاليث يحارب بشراسة ويواجه من يعارضه،
الأن لا يقوى على شق أهدابه لتأمن في ظلمة ليله.
برغم حبها هي أيضاً له تمسكت ليلي براحتها لتأزرها وتستمد القوة منها هامسة لها.
-هيقوم يا مريم عشان خاطرك وخاطرنا كلنا، صابر حاسس بحبنا ليه ومش ممكن هايسبنا كدة بسهولة.
أغمضت مريم عيناها بألم، هي تعرف جيداً مدى حب تلك الفتاة له، لكنها الأن ليست بحاجة للعراك أو إظهار غيرتها عليه بل هي بحاجة إلى كل يد تمتد إليه بالدعاء لتأمن على ما تقول وهي تربت على يدها.
-ربنا مش هيضرنا فيه يا ليلي أنا عارفة.
أصدح رنين هاتفها يدوي، فتركت يد مريم حتى تحدث والدها ثم ترجلت مبتعدة عنهم جميعاً.
-ألو يا بابي طمني أخبار مامي إيه.
-أنت قولي ليلى سابر أيه أخبارها، اوعى تقولي حاكة نوتي ليلى طمنيني حبيبتي.
-اطمن يا بابي صابر خرج من العمليات، والدكتور قال لو عدى بكره عليه هيبقى كويس.
-اوه لسه هنستنى لبكره كده مامي مش هتخرك الليلة وتنام هناك في القسم بتاع البوليس دي.
-إيه مش ممكن دا يحصل يا بابي أتصرف خليهم يسيبوها بأي شكل.
-مش تخافي عليها ليلي، انا كلمت محامي السفارة بتاعتنا وعرفت الظابط أنها معاها جنسية أجنبية، وكمان أنا قاعد معاها طول الوكت.
-تمام يا بابي خلاص أنا اطمنت على صابر وهاجيلكم دلوقتي، سلام يا بابي.
أغلقت معه الهاتف وقررت الرحيل من المشفى، لكنها تفاجئت بقبضته تلتف حول ذراعها وتجذبها نحوه.
-خلاص اطمنتي على صابر، ماشية كدة وكأنك ماعملتيش حاجة، ناسية إن في واحد سقط من حسابات حضرتك
واكتشف غدرك بيه قبل كتب كتابكم بدقيقة واحدة.
قبضته القوية حول ذراعها وصوته الصارخ عليها، جعل أنظار الناس تلتفت أليهم،
مما جعلها هي أيضاً تشعر بالخزي وتحني رأسها.
-حسن سيب أيدي الناس بتبص علينا ومنظرنا مش حلو قدامهم.
-هو دا بس كل اللي يهمك، منظرك قصاد الناس وانا ومشاعري ايه هوا بالنسبة ليكي.
وجهه المحتقن من شدة الغضب، ويده التي كانت تنفض جسدها أرهبتها من داخلها،
حتى أن جسدها ارتجف وأدمعت عيناها من شدة الخوف، فاضطرت أن تضغط على ما تبقى لها من حب بداخله.
-عمري ما أنساك يا حسن، بس أنا كنت بحاول أرجع لأبن خالتي حقه من اللي ظلمه، ولو كنت قولتلك الحقيقة كنت هترفض تساعديني وتروح تقول لباباك على كل حاجة.
-ابن خالتك دا يبقى اخويا، وانا كنت هبقى جوزك غدرتي بيا أنا
اخدتي مني كل حاجة كتبت كل أملاكي بأسمك وفي الأخر روحتي بعتيها ليه من وريا بعتيني انا واشتريه هو،
كل دا ليه يا ليلي؟ أقولك أنا عشان بتحبيه! بس للأسف
صابر حتى لو قام من رقدته دي مش هيبقى شايفك عارفة ليه يا ليلي؟
لأنه بيعشق مريم
مريم اللي باعنا كلنا وساب المال والقصر اللي كان عايش فيه وأختارها هي،
عارفة انه لما يفوق هيرجع لأبوه ويترمي في حضنه وهي طبعاً مش هتسيبه، وصدقيني أملاكي هترجع ليا تاني أصل اخويا عمره ما كان طماع يا ليلي،
الوحيدة اللي هتطلع خسرانة من الموضوع دا هو أنتِ وبس.
وأخيراً ما نفض يدها من يده وأعطاها ظهره وذهب.
وقفت هي تنظر إلى طيفه والعبرات تهطل من عيناها كسيل المطر، هو لم يقول سوي الحقيقة التي لا تريد تصديقها
نعم صابر يعشق مريم ولا يرى غيرها أبداً.