رواية بيت النغاس الجزءالتاني الفصل السابع

 

رواية بيت النغاس الجزء الثاني

الفصل السابع


جلست على الأريكة ترتب حجابها وأجابته بغير اهتمام.


-دي ليلي


أعتدل منتبهاً لما قالت وإذا به يسألها. 


-ومدخلتيهاش ليه؟


جحظت عيناها منتبهة هي أيضاً لما يقول.


-ادخلها فين انت ناسي ان الزيارة ممنوعة عنك، اشمعنى دي بقي اللي هدخلها لحضرتك.


-عشان الوضع اتغير يا مريم، وليلي طلعت بنت خالتي، واكيد عايزة تطمن عليها وتعرف قولت ايه للشرطة، وماتنسيش انتِ ان الزيارة ممنوعة بأمر ساعدتك مش بأمر الدكتور.


إوصدت يديها أما صدرها متعجبة مما تفوه به.


-وأنا عملت كده ليه يا باشمهندس مش عشان حضرتك تبطل عصبية، على العموم ماتقلقش انا بلغتها بكل اللي اتقال والهانم اطمنت على الأخر مافيش داعي لعصبيتك دي دلوقتي.


تهجم وجهه ونظر لها بغضب. 


-لاء انا مابحبش الطريقة دي يا مريم وياريت ماتلعبيش دور الواصي عليا تاني، وتبلغيني بأي حاجة تحصل أول بأول. 


زاد تعجبها من أنقلابه هذا، لماذا يصم أذنه عن استماعها ولا يريد أن يفهم مدى خوفها عليه. 


-ويا تري أبوك لو كان جيه دلوقتي ولقاها عندك هنا، كان هيقول ايه يا زوجي العزيز. 


-يقول اللي يقوله هي كلمة ومش هكررها قبل ما تتصرفي في حاجة تخصني بعد كده تقوليلي انتِ فاهمة. 


بهدوء تحسد عليه رمقته بنظرة جانبية ثم أومئت فقط لتحد من تعصبه خوفاً عليه. 


-فاهمة يا صابر فاهمة. 


أنه اليوم الأخير لهم بالمشفى، كانت تستعد للمغادرة معه إلى بيتهم الجديد، وبدئت تجمع كل أشيائهم في الحقيبة في صمت. 


ترجل هو من مرحاض الغرفة وقد اغتسل وأتم ارتداء ملابسه ثم القى لها منامته على الفراش وهو يقول. 


-مراد جاب العربية يا مريم. 


مدت يدها ورتبت المنامة ثم جمعتها في الحقيبة وأجابته بعدم اهتمام. 


-حسن اللي جابها واتصل بيا نزلتله اخدت المفاتيح منه و مشي. 


تعجب من ردها وضم حاجبيه متسائلاً. 


-مشي! كده من غير ما يفكر يطلع يسلم او حتى يطمن عليا. 


مالت رأسها جانباً تنظر اليه وكأنه طفل صغير يهزي. 


-الله هو مش انت برضو اللي منبه عليه انك مش عايز تشوف وشه قبل ما تخرج من هنا. 


اومئ لها متذكراً ما قاله من قبل، وأكمل غلق أزرار قميصه في حزن. 


اقتربت هي منه، ربتت على كتفه وأمسكت بيده ثم قالت.


-مالك بس يا حبيبي، ليه شايل الهم كده.


-تعرفي اني مش عايز أخرج من هنا.


-اخص عليك ليه بتقول كده، يعني انت شايف قاعدة المستشفى حلوة اوي.


تنهد بتنهيدة قصيرة لكنه زفر بها كم هائل من الحزن كان يحتجزه داخل صدره.


-اصلك ماتعريفيش ايه اللي مستنيني برة الباب دا، حاسس ان بداية الأعصار هتبقى مع خروجي منه.


أبتسمت له وجزبت الحقيبة لتجرها خلفهم وبدئت تحسه على التشجيع والترجل معها.


-طول ما ايدي في ايدك، هننتصر على اي إعصار يلا بينا يا حبيبي.


لكن قبل أن يترجلو سوياً، دق الباب دقه واحده ثم انفرج أمامهم على مصرعيه ليتفاجئ بحضورها و لهفتها الواضحة عليها. 


-طنط نور.


بأبتسامه عريضة قابلها وهو يفتح لها ذراعيه ليضمها بينهم بحنان.


-يا روح خالتك حقك عليا يا نور عيني، أنا اسفة والله اسفه ياريت الرصاصة كانت جات فيا أنا ولأن حاجة تلمسك يا حبيبي.


كانت تغلف كلماتها الحزينة بعبراتها الحارقة وتقبل وجنتيه وقبضتيه مستعطفاه بأن يصفح عنها. 


سريعاً ما سحب يديه قبل أن تمسسهم شفتيها وضمها اليه ثم توجه بها لتجلس على الأريكة بجانبه. 


-بتعملي ايه بس وبتتأسفي لمين، دانا كلي فداكي انتِ يا حبيبتي، انتِ الوحيدة اللي رجعتي ليا الحياة بمجرد ما عرفت انتِ تبقي مين، 


اصلاً انا من غير ما اعرف حاجة، كنت مشدود ليكي بطريقة غريبة، كنت بشوفها في ملامحك واقول مش ممكن يكون التشابه الكبير دا ما بينهم مجرد صدفة،


بس ليه بعدتي عني كل السنين دي وسيبتيني لوحدي لحد ما نسيتك. 


بدئت تسترسل له الحكاية بأكملها تحت نظرات مريم المتفاجئة بوجودها هي وأبنتها وزوجها، والذين وقفوا أيضاً صامتين يتابعون حديثها المفاجئ للجميع. 


-غصب عني يا صابر، انا بعد اللي حصل لعزيزة اختي واحمد ابن عمنا، تقريباً حياتي ادمرت اصلاً ابوك كان مدمرها من قبلها والفضل كله لدرية!


-درية! انتِ بتقولي ايه انا مش فاهم حاجة، وطول السنين بحاول افتكر بس مش قادر. 


-لأنك كنت صغير أوي، احنا حياتنا كانت سعيدة جداً صدقني قبل جدك ما يتوفى، طبعاً انت عارف ابوك زمان كان بيشتغل ايه. 


-ايوة عارف كان مقاول مباني صغير على قده. 


-لاء أبوك قبل يشتغل في المقاولات كان سواق نقل تقيل، وكان شاطر اوي في شغله وجدك كان مشغله عنده على العربيات بتاعتنا، 


كان بيحبه عشان راجل جدع ومحترم وكان بيدخل بيتنا ويستأمنه علينا، 


والشهادة لله عمره ما رفع عينه فيا انا واختي قبل ما يطلبها من ابويا، 


بس بعد جوازهم اكتشفت انه كان بيحبها اوي وهي فرحت بالحب دا جداً وبادلته كمان نفس الحب كانت مخلصة ليه وبتتمناله الرضا. 


وبعد فترة ابويا اشتد عليه المرض وخاف على ميراثنا انا واختي، عشان ماعندناش اخوات رجاله فقرر انه ينقل كل حاجة بأسم فرج 


وكأنه كان متأكد انه هيحافظ عليه لينا 


بس بعد ابويا ما مات وبدئت العيلة كلها تتخانق معانا عشان الميراث ويتهمو فرج أنه مزور الورق ده، 


فاقترحت عزيزة عليه انه يبيع كل حاجة البيت والعربيات وننتقل في مكان تاني بعيد عن العيلة كلها، 


سمع هو كلامها واشترى البيت القديم بتاعكم


واللى كان فاضي خالص مافيهوش غير درية هي الساكنة الوحيدة اللي كانت فيه، الحية اللي كانت بتتلون بمليون وش،


فرج عشان كان بيخاف على عزيزة قرر انه يغير شغله و يتنقل لشغل المقاولات، 


عشان مايسفرش ويسبنا لوحدنا فترات طويله، وفلوس الورث ساعدته انه ينجح بسرعه، 


وشهادة حق هو عمره ما كان طماع او فكر ياكل علينا حقنا، وطبعاً احمد ابن عمي حاول اكتر من مره يتخانق معاه عشان ياخد حقه من الورث لكن هو وقفله، و العيلة كلها بقت ضدنا وبعدنا. 


انت ساعتها كنت لسه صغير اوي ودرية اتصاحبت على عزيزة جامد واعتبرناها اختنا التالتة، عمرها ما غارت منها او فكرت انها تمشيها من البيت بالعكس دي قالت غلبانة و وحدانية وكفاية انها بتشتغل عشان تعرف تعيش. 


لكن بعد فترة بدئت كل شوية تزن على عزيزة عشان تخرج من البيت معاها، بحجة انهم يشترو احتياجات البيت سوى او انهم يفكو عن نفسهم ويخرجو يشمو هوا، 



بس هي كانت طريقتها مع الجيران غريبة بتضحك وتهزر مع أي حد وما يهمهاش كلام الناس. 


ودا طبعاً ماكنش بيعجب فرج، حتى اسلوبها في الكلام معاه هو، 


ومن هنا بدئ الخناق كل شوية يزيد بينه وبين عزيزة،


وفي يوم كنت راجعة من الكلية لقتها بتحضر نفسها عشان تنزل تجيب حاجة البيت مع درية ولما لقتني وصلت قالتلي. 


-كويس انك رجعتي بدري يا نور عشان تقعدي مع صابر لحد ما ارجع. 


-ترجعي منين يا عزيزة انتِ رايحة فين اصلاً


-رايحة السوق اشتري شوية حاجات انا ودرية 

خلي بالك انتِ من الواد ومن نفسك لحد ما ارجع. 


-بلاش يا عزيزة عشان جوزك مايزعقش ليكي تاني، هو اصلاً مش مخلينا محتاجين حاجة. 


كلمتي ليها خلتها توقف وتبصلي بتفكير شوية، ورجعت قالتلي. 


-وهو يعني عشان بيجبلنا كل حاجة يبقى يحبسني انا هبطله غيرته العامية دي. 


وبعدها فتحت الباب وخرجت وقفت قصاد باب درية قالتلها. 


-يلا يا درية الله انتي لسة مالبستيش. 


مثلت درية عليها التعب وقلتلها. 


-شكلي واخده دور برد يا عزيزة ومش هقدر انزل معاكي، انزلي انتِ يا اختي هاتي حاجتك عشان ماتتعطليش. 


-الف سلامه عليكي طب ادخلي ناميلك شوية وانا لما ارجع هبقي اعملك لقمه تاكليها. 


-ماشي يا حبيبتي يخليكي ليا. 


ونزلت عزيزة واتأخرت شوية في السوق، وقبل ما ترجع، فرج رجع انا شوفته من الشباك وانا قاعدة الاعبك، جريت على الباب عشان افتحله، وفتحت الباب حته صغيرة


لقيت درية واقفله بلبس بيتي يعني مش محتشم، 


وبتحاول تدخله شقتها بتقوله. 


-يا أهلاً يا معلم فرج ما تتفضل يا اخويا. 


فرج نزل وشه بسرعة في الأرض وقالها وهو بيحاول يتخطاها. 


-اتفضل فين يا درية مش عيب عليكي تفتحي بابك لواحد غريب وانتِ ست وحدانية. 


-يوه وهو انت غريب برضو دانت زي اخويا بالظبط، انا قولت تيجي تستريح عندي لحد عزيزة ما ترجع. 


بعد ما كنت هافتحله الباب خلاص لقيته وشه اتغير والغضب بان عليه ولفلها وقالها. 


-خرجت راحت فين. 


-انا عارفلها يا اخويا هي نزلت من بدري اوي، دي حتى ماعديتش عليا انا شوفتها وانا بنشر الغسيل. 


سكت فرج ورجع تاني ناحية شقتنا، بس شكله خوفني خلاني قفلت الباب بسرعة ورجعت شيلتك وكأني بتحامى فيك. 


فتح هو الباب وقفلة جامد لدرجة اني انتفضت وانا واقفه بيك ولما شافني قالي. 


-اختك فين يا نور. 


رجعت خطوه لورا ورديت من خوفي منه. 


-دي راحت تشتري حجات من السوق، والله دي لسة نازلة من وقت بسيط. 


حدف مفاتيحه على التربيزة، وقعد بهدوء مريب وقالي. 


-خدي الواد وادخلي اوضتك مش عايز المح طيفكم قدامي النهاردة. 


ماقدرتش أقف قصاده من كتر خوفي اخدتك ودخلت، وجات عزيزة بعدها بحاولي نص ساعة 


كانت شايلة حاجات كتير في ايديها لدرجة انها ماكنتش عارفة تعدل حجابها اللي اتزحلق من على شعرها ودا زود غيرته وجنونه عليها  اكتر من الأول وسمعته وهو بيقولها. 


-كنتِ فين. 


-في ايه يا فرج ما هو زي مانت شايف كنت في السوق بجيب طلبات البيت، وسعلي كده خليني ادخل احط الحاجة اللي على أيدي دي. 


-وأنا مش منبه عليكي بدل المرة الف مرة ماتنزليش من البيت هو انتِ طلبتي مني حاجة وانا ماجبتهاش ليكي. 


صوته العالي عليها خلاها ترمي الحاجة من ايديها وتقف قصاده بعند وهي كمان بدئت تعلي صوتها. 


-وأنا زهقت من حبستك ليا يا أخي، فيها ايه يعني لما انزل اجيب حاجتي بنفسي كفرت يعني ولا كفرت. 


-لا لاسمح الله وانا اقدر اقول كده برضو، وبالنسبة لشعرك اللي ماشية بيه مكشوف قصاد الرجالة في الشارع، دا كمان ايه يا بنت ال.... 


أتفجئت بالقلم اللي نزل على وشها دي كانت أول مره يضربها فيها و

قرب منها مسك شعرها جامد وبدء يضرب فيها بطريقة مفزعة وهي بتترجاه يرحمها.


-سيبني يا فرج والله ما حصل دي الطرحة اتزحلقت غصب عني وانا طالعة السلم، كفاية بقى حرام عليك هتموتني.


وكأنه بقى واحد تاني، وحش ثاير مافيش حد يقدر يقف قصاده، من كتر خوفي عليها سيبتك في الأرض وجريت اخلصها من ايده،


اترميت عليها بكل جسمي وهو لما لقاني قصاده بِعد عننا ووقف شوية ساكت وبعدين قالها.


-المرة الجاية هتبقى بموتك يا عزيزة، سمعاني اعمليها وخطي عتبة الباب دا عشان اقتلك واخلص منك.


فضلت تعيط جامد واخدتها ودخلت جوه بعيد عنه وهي بتقوله.


-مش هقعدلك فيها يا فرج هو انت فاكر عشان ابويا مات يبقى ماليش اهل دانا اهلي لو رجعتلهم يكلوك ني يا فرج.


-أهلك لو رجعتيلهم هيكلوكي انتِ واختك قبل ما يوصلولي يا عزيزة، ويوم ما تفكري تخرجي من هنا هيبقى يوم موتك. 


وكأنه كان بيوعدها بكده يا صابر، زي ما يكون بيخطط عشان ينفذ كلامه ليها. 


صمتت عن الحديث لكن صوت بكائها لم يهدء، وصابر أيضاً وجهه تهجم وبدئت عروق عنقه تنفر من شدة غضبه. 


-كملي يا خالتي حصل ايه بعد كدة. 


-بعد ما دخلنا الأوضة قفلت الباب بسرعة قبل ما تتكلم تاني، عشان حسيت انها لو اتكلمت هو ممكن يتهور ويعمل فيها حاجة،


بس في نفس الوقت لومتها ماعرفش ليه كنت حاسة انها غلطانة وبيتلعب بيها وهي مش حاسة وقولتلها. 


-عزيزة انتِ ليه بتعندي مع جوزك كده، دا كل اللي بيعمله دا عشان بيحبك. 


مسحت عنيها بمندليها وقالتلي. 


-يغور بحبه المجنون ده، انا خلاص زهقت منه ومن عيشته هو انا عملت ايه بس يا اخواتي عشان يعمل فيا كده. 


-خرجتي من وراه واللي بتحردك على خناقك مع جوزك كل شوية، وعملت فيها عيانة عشان ماتنزلش معاكي، 


خرجت ليه على السلم ووقفت قصاده بقم.. نوم وكانت عايزة تدخله عندها. 


أول ما قولتلها كده انتفضت من مكانها وشدتني من ايدي جامد وزعقت فيا. 


-إنتِ بتقولي ايه يا نور، هو خوفك منه يخليكي تتبلي على البت الغلبانة،


تلاقيه هو اللي خبط عليها وكان عايز يدخل عندها من غير ما أعرف. 


صرخت فيها و وقفتها قبل ما تخرج ليه تاني. 


-والله ما حصل، بطلي غباء بقى وافهمي ان جوزك بيحبك والحيه دي عايزة تخطفه منك وانتِ بتساعديها على كده،


استهدي بالله واقعدي وانا احكيلك على كل اللي حصل كله. 


فعلاً قعدت وحكتلها صدقتني ونوت انها تقطع علاقتها بدرية وتحاول تمشيها كمان من بيتنا، 


بس فضلت زعلانة من فرج عشان اهانها وضربها وقررت انها تخاصمه وتفضل نايمة معايا في اوضتي عشان تحسسه انه غلط في حقها، 


هو كمان عَند وسابها مسألش فيها، كان كل يوم بيخرج الصبح من غير فطار على شغله ويرجع اخر النهار يدخل اوضته من غير مايكلم حد،


وفي يوم جرس الباب رن كانت عزيزة واقفة تحضر الغدا في المطبخ وانا قاعدة بلاعبك برة، 


روحت وفتحت الباب لقيت احمد ابن عمي واقف قصادي. 


-أهلاً يا أحمد اتفضل. 


-ازيك يا نور اختك هنا هي و جوزها. 


-عزيزة جوه لكن فرج في الشغل تعالى اتفضل. 


-طب ناديلي عزيزة يا نور وانا واقف هنا. 


لقيتها جاية من ورايا بتقوله. 


-يا أهلاً وسهلاً يا ابن عمي اتفضل يا اخويا واقف برة ليه. 


-معلش يا عزيزة هما كلمتين بس جاي اقولهم ليكي وهامشي علطول. 


يا لهوي ودي تيجي برضو تتكلم من على الباب، والنبي ما يحصل داحنا اخواتك ادخل يا اخويا ادخل. 


دخل احمد وسيبنا الباب مفتوح وقعد وهي قالتلي هاتي واجب الضيافة لابن عمك يا نور،


دخلت جوه ويا ريتني ما كنت دخلت ساعتها. 

للمتابعة أضغط هنا

تعليقات