الفصل العاشر
انقبض قلبه فجائة، شعر بأنه يتلقى رصاصة أخرى تشق صدره، انتفض من جلسته أمام والده وإذا به يصيح عبر الهاتف.
-خطفك ازاي يعني يا ليلي، قوليلي انتوا فين وانا هاجيلك.
أتاه صراخها المفزع له وهو يتجه نحو الباب.
-معرفش يا صابر دا كان مستنيني تحت الشركة، وأول ما شافني دخلني عربيته بالعافية، وجابني في شقه في عمارة كبيرة،
الحقني يا صابر أنا جريت ودخلت أوضة وقفلت على نفسي، بس هو بيحاول يكسر الباب.
-ماتخفيش حطي اي حاجة تقيلة ورا الباب وانا عارف انتِ فين هاجيلك حالاً.
اغلق الهاتف وأمسك مفاتيح سيارته وجرى نحو الخارج.
حاول والده اللحاق به وهو يناديه.
-في ايه يا صابر فهمني يا ابني.
صرخ بها وأظهر له عدائه لأخيه لأول مرة.
-ابنك خطف ليلي يا فرج باشا وحضرتك جاي تثبتني، مكافكوش تقتلوا امي زمان وتلوثو سمعتها، جايين دلوقتي تعتدو على شرفي.
ركب سيارته وجرى بها سريعاً دون أن ينتظر دفاع والده.
أنتفض فرج من على الأريكة، وقرر الاتصال بحسن وهو يستعد الرحيل إلا أنه تفاجأ بمريم تهبط الدرج وعلامات الأندهاش تحاصر وجهها.
-هو في ايه.
-ها مافيش حاجة يا مريم ربنا يستر يا بنتي.
تركها وذهب هو الأخر دون أن يوضح لها ما يحدث، جلس داخل سيارته وأشار للسائق بأن يتبع سيارة صابر ويحاول اللحاق به سريعاً.
وهو يمسك هاتفه ويكرر الأتصال بحسن عدة مرات متتالية، ويدعو الله ان يجيب الأتصال حتى يرده عن هذه الفعلة الدنية، قبل أن يصل أليه أخوه.
اصبحت عيناها كاكأسان ممتلئان بالدماء من كثرة البكاء، لقد أوصدت باب الغرفة عليها جيداً، وضعت خلفه كل ما ساعدتها يديها على حمله،
لكنه لم يهدء لحظة واحدة، ظل يحاول كسر هذا الحاجز المغلق بينهم بشتى الطرق، وصياح صوته الجاهور لم يخمد لحظة واحدة،
وكلما استمعت إليه، تكتم صرختها براحتي يدها وتزيد من بكائها.
-مش هتفلتي من ايدي النهاردة يا ليلي، انتِ بتاعتي الليلة دي، وحتى لو فضلتي حابسة نفسك مسيرك هتخرجيلي، اصل هنا مافيش حد غيري انا وانتِ وهاخد حقي منك يعني هاخده.
حاولت ألا تصرخ وتهدء من روعتها لتحتال عليه كما تفعل كل مرة، لكن نحيبها زاد مع كلماتها التي كانت تنطقها ولأول مرة بصدق.
-قولتلك حقك مش عندي يا حسن، أنت ليك حق تزعل مني لكن أنا بجد أسفة على اللي عملته معاك، عارفة انك مش ليك ذنب في كل اللي حصل دا،
وعارفة كمان انك بتحبني، بس بجد أنا اسفة كان لازم اعمل كدة عشان خاطر صابر دا ابن خالتي اللي طول عمري بسمع عنه من مامي
كانت دايماً تقولي انتِ ليكي اخ اتظلم ولازم ناخدله حقه من اللي ظلموه.
-وأنا ظلمته في اييييه.
تفاجئت بمدى قوته الغير معهودة عليه، إذ أنه دفع الباب وزجه لينفرج وتسقط الاشيأء من خلفه، ويظهر هو أمامها عاري الصدر لا يرتدي شيئاً سوى سرواله الچينزي فقط.
جحظت عيناها وعادت لكتم صراخها بيديها، ومن شدة خوفها منه تراجعت للخلف عدة خطوات إلى أن التصقت بالجدار.
-أنا اللي اتظلمت يا ليلي، أنا اللي حبيتك وأمنتلك، سيبتلك نفسي زي ال... عشان في الاخر أخد على... منك انتِ وصابر،
بس انتِ برضو مش هايرضيكي اني اطلع خسران من كله،
على الأقل يبقى في تعويض بقى، صابر أخد كل حاجة، ماشي أنا راضي بس لازم بقى يكون في تعويض ليا،
وانا مش عايز تعويض من حد غير منك أنتِ يا حبيبتي، فاكرة ليلة اليخت يا ليلي.
هزت رأسها يمين ويساراً لتذكره بالنفي ما حدث ليلتها.
-مش حصل بينا حاجة في الليلة دي، انت كنت سكران، ليه مش عايز تصدق و واهم نفسك ان في حاجة حصلت ما بينا.
-لاء انا فاكر يا قلبي انه ماحصلش، بس النهاردة بقى لازم يحصل.
كاد ان يمسكها إلا انها جرت سريعاً نحو النافذه التي فتحتها و وقفت ملتصقة بها
-لو قربت مني هرمي نفسي من هنا.
ضحك ملئ فمه ضحكة شيطانية وبرغم تهديها لكنه ظل يقترب منها.
-لا يا قلبي أنتِ أضعف من كدة بكتير، طب بذمتك يا شيخة انهي احسن ليكِ،
ترمي نفسك من الشباك ولا ترمي نفسك في حضني.
وصل إلى تلك البناية التي يعلم أن اخوه يملك شقة خاصة به فيها، وتأكد من وجوده حين رأى سيارته مصفوفة اسفلها،
لكن كيف سيدلف بداخل تلك الشقة وهو لا يملك مفتاحها،
لذلك قرر أن يحتال على أمن البناية الذين يعلموه جيداً، ولما لا وهم يعلمون ان البناية بل الحي بأكمله جزء من املاك شركات والده.
-انت يا بني
-باشمهندس صابر أهلاً وسهلاً يا باشمهندس.
-فين المفاتيح الاحتياطية بشقق العمارة دي
-موجوده خير حضرتك عايزهم ليه.
-هاتلى منهم بسرعة المفتاح الاحتياطي الخاص بشقة حسن اخويا.
-حسن بيه في شقته يا فندم حضرتك تقدر تطلع ليه.
-مانا عارف أنه فوق بس الغاز اتسرب في الشقه وهو وخطيبته موجودين فيها، هاتلى المفتاح خليني الحقهم.
جرى الحارس الأمني وأحضر له ما طلبه وصعد معه إلى الشقة، وقبل ان يفتح صابر اندهش الحارس أثر ما سمع.
-مافيش ريحة غاز يا باشا بس في صريخ جامد جاي من جوة.
-أنا عارف فيه ايه، انزل انت ولو احتجت ليك هاطلبك دي أمور عائلية ومش عايز حد يتدخل فيها.
أطاع الحارس أمره بعدما قاله له و عاد من مكان ما أتى،
فتح هو الباب وجرى نحو الداخل، اتبع صوت الصراخ وجرى ليرى ما يحدث، و يلا هول ما رأى.
إبنة خالته ملقية على الأرض، وملابسها ممزقة من على جسدها، واخية المدلل يعتليها يعاملها بوحشية ويحاول أغت....
بسرعة البرق أجتذبه من عليها، وصرخت هي.
-الحقني يا صابر.
عند هذا وكفى، لن يظلم صابر النغاس من أحد بعد اليوم، بل ولن يتهاون في أخذ حقه منهم،
من هذه اللحظة مات صابر الطيب، وسكنت جسده روح شريرة لا تعرف إلا معنى الثأر من الجميع.
أوقف أخيه أمامه و دفعه خارج الغرفه، وظل يصدر في وجهه اللكمات وكأنه يتدرب على كيس رملي داخل حلقة ملاكمة،
حاول حسن الدفاع عن نفسه، لكن دون فائدة شعر أنه يقف أمام وحش ثائر سيلقى حتفه تحت ذراعه إن لم يجد من ينجده.
وجائت النجده بالنسبة له بالفعل، حضر والدهم وكان معه حارسان من أمن البناية وجهر بصوته.
-كفاية يا صابر سيب اخوك هتموته، أنتو واقفين تتفرج عليهم حشوهم عن بعض قبل ما يموت اخوه.
كبل أحدهم ذراعي صابر وقيد الأخر حركته ثم أبعدوه عن حسن الذي صرخ فيه.
-بتمد ايدك عليا يا صابر، بتضرب اخوك وعشان مين عشان واحدة.... زي دي.
-أخرس يا بن ال... يا... اللي انت بتهينها دي تبقي لحمي وشرفي اللي عايز تن... يا....
وهنا تدخل الأب منفعلاً
-كفاية بقى انتو الأتنين فرجتوا الأمن عليكو، انتم نسيتو انكم اخوات.
بكل برود نفض صابر ايدي الحراس وجلس على أقرب مقعد.
-من الساعة دي أنا ماليش اخوات يا فرج باشا، يا ريت تاخد أبنك وتمشي من هنا،
انا مايشرفنيش ان يكون ليا اخ... زي ده.
كاد حسن أن يرد أهانته له، لكن والده فضل ان ينهي العراك بينهم حين امسك بيده وتحرك للخارج.
-مش هنتكلم دلوقتي يا صابر لما تهدى نبقى نتكلم.
لكن قبل أن يرحلا صرخ صابر.
-استنى عندك سيب مفاتيح الشقة والعربية بتاعتك هنا.
تفاجئ حسن بحديثه وأفلت يد اباه مقرراً الهجوم عليه.
-انت بتقول أيه مش مكفيك اللي انت أخدته عايز تاخد الشقة والعربية كمان.
وضع قدم فوق الأخرى وابتسم ابتسامة ساخرة.
-انت ناسي ولا ايه يا حسن، ما هو كل حاجة كانت ملكك دلوقتي بقت ملكي انا.
شعر والده بغصة في قلبه، علم أن ولده قد بدء الأنتقام، لكنه لن يجاريه في الحديث الأن
أمسك بيد حسن جيداً، وأشار له وهو يرحل.
المفاتيح عندك علي التربيزة اهيه يا صابر، بس مش عايزك تنسى انك مهما حاولت تبعده عنك برضو هيفضل أخوك.
-واقفين بتتفرجوا على ايييه.
صرخ بها صابر في هذين الحارسان بعد أن ذهب والده وأخيه، ليترجلا سريعاً موصدين الباب خلفهم.
وهنا جرى هو نحو تلك الغرفة، ليراها منطوية على نفسها تحاول أن تداري صدرها بيديها، بعد أن مزق حسن فستانها من الأعلى.
إنحنى بجسده عليها ضمها اليه ليحاول ان يطمئنها بحنان أخوي ليس أكتر.
-انتِ كويسة، ماحصلش حاجة مش كدة، اتكلمي يا ليلي طمنيني عليكي.
أومئت له برأسها، خرج صوتها متقطع من بين شهقاتها.
-مشيني من هنا يا صابر، أنا خايفة.
شلح چاكته من عليه والبسها أياه ثم حملها بين يديه وتحرك بها للخارج.
وداخل السيارة، تقوصت هيا على نفسها و استسلمت لعبراتها المنهمرة على وجنتيها في صمت،
فحاول هو أن يزيل الرعب من قلبها وقرر ان يتحدث ها بهدوء.
-ايه رأيك أقف عند أي محل ملابس اشتريلك فستان بدل دا،
بصراحه مش عايزك ترجعي لطنط نور بالمنظر دا يا ليلي.
احكمت إغلاق چاكته بقبضتيها على صدرها وشهقت ببكاء مرتفع.
-مامي سافرت هي وبابي النهاردة الصبح.
-ايه ازاي تسافر من غير ما تتصل بيا، وازاي تسيبك لوحدك اصلاً.
-كنا متوقعين الموضوع أنتهى خلاص، وبابي كان لازم يرجع عشان يباشر اعماله هناك، و سابوني هنا عشان اتابع المشروع لحد ما انت ترجع للشغل.
شعرت بالتفاف السيارة ولاحظت تغير مسارها فتسائلت.
-انت رايح فين دا مش طريق الفندق.
-فندق إيه بقى، هو انتِ فاكرة اني ممكن اسيبك تقعدي فيه لوحدك بعد اللي حصل.
كاد رأسها أن ينفجر من شدة التفكير، لما غضب زوجها من والده هكذا، وكيف يجرؤ على الرحيل بهذه الطريقة ويتركه في بيته وهذه أول مرة يزورهم فيه.
حصدت هول البيت ذاهباً واياباً بتفكير عميق، تعصر جبينها بين بأصابعها وتزفر بضيق،
تحاول أن تدلف إلى أي ثغرة تصل بها إلى خيط الموضوع دون فائدة، إلى أن استمعت إلى صوت الباب
التفتت لتصدم وتجحظ عينيها.
زوجها يدلف إليها ويحمل بين يديه تلك الفتاة الأجنبية المدللة، وما أشعل النيران في قلبها انها تتعلق في عنقه وتميل رأسها على صدره بتملك.
-إيه دااااا.
يعرف تفكيرها جيداً وما يدور في رأسها الأن،
لذلك لن يجادل معاها ويدخل في هرائات فارغة،
تركها ثابتة جاحظة العينين كما هي و تخطاها صاعداً بليلي إلى الأعلى،
دلف بها إلى غرفة الأطفال، و ارقدها على ذلك الفراش التي كانت تستقله زوجته ودثرها جيداً،
مسد على شعرها بهدوء وهمس لها.
-مش عايزك تخافي من اي حاجة، انتِ في بيت اخوكي دلوقتي وماحدش يقدر يمسك بسوء، نامي شوية عشان ترتاحي.
رفع رأسه أعتدل من إنحنائته، وجد عنيدته تقف في فتحة الباب تراقب ما يحدث،
فزفر غضبه بقوة واتجه نحوها اغلق ضوء الغرفة وزجها امامه قبل أن تدلف إليهم، ثم أغلق الباب على الأخرى.
-هو في ايه؟
قالتها مريم بصراخ لتوقفه عن زجه لها، لكنه وعوضاً عن ذلك حملها بيد وكمم ثغرها باليد الأخرى مدخلها عنوة إلى غرفتهم.
-شششش وطي صوتك مش عايزها تسمعك.
-نعممممم يا اخويا.
تفاجئ بردها الصارخ هذا فقرر ولأول مرة يقسو عليها، ضغط على عضدها بقوة وبصوت خفيض لكنه قوي.
-ايه الطريقة اللي بتتكلمي بيها دي، انسي بقى شغل الحواري والحي الشعبي اللي انتِ جاية منه دا واعرفي انتِ متجوزة مين.
مع ثاني أهانه منه لها تحجرت العبرات في مقلتيها، ونفضت راحته من على ذراعيها صارخة في وجهه.
-والله انا ماكدبتش عليك وقولتلك إني بنت ذوات ومتربية في قصور زيك،
وبعدين ماتنساش انت ان الحي الشعبي دا هو اللي أواك وقعدت فيه ايام ما كان ابوك كان بيهاجمك،
وكان مافيش في جيبك غير خمسين جنيه بس يا باشمهندس.
وقف مندهشاً من ردها الصادم له، اتعايره
الأن بوقوفها بجانبه أثناء شدته.
لم تتلقى رداً من لسانه، لكن كان رده عليها أقوى وادهش.
صفعها على وجنتها، نعم رفع يده وبكل قوته أنزلها على وجهها الجميل، لتتفاجئ هي بما فعله وتسقط أمامه على الفراش ويرتطم رأسها بالوسادة.
-عارفة إن دي غلطة عمري، بكلامك ده خليتيني اندم على تفكيري لحظة فيكي وفي لجوئي ليكي ساعتها،
يا خسارة يا مريم بتضيعي كل حاجة حلوة حصلت بينا في لحظة غباء منك.
ها هو وللمرة الثالثة يتركها تبكي ويرحل موصداً عليها الباب من الخارج.
أعتدلت من إنحنائتها وجلست تفكر فيه،
كيف تحول بهذه السرعة، لقد كان منذ القليل يضمها بين ذراعيه ويمطرها بأرق الكلمات،
ماذا فعلت له تلك الفتاة حتى يأتي بها إلى بيتها وبهذه الطريقة،
بسرعة البرق أعتدلت جالسة تفكر كعادتها، و تسترجع هذا المشهد الذي مر عليها كالطيف ولم تركز في تفاصيله، لقد انفعلت على زوجها دون وجه حق،
لم تركز في تلك الحالة التي كانت ليلى عليها
كل ما لفت نظرها حمله لها وتشابك ايديها في عنقه، لم تلاحظ ملابسها الممزقة، ولا بعبراتها المسترسلة على وجنتيها.
لابد انها قد حدث لها شئ سئ جعله يأتي بها وهي بحالتها هذه، بدئت تأنب نفسها لقد ظلمته مع أنها أستمعت إلى حديثه مع الأخرى لقد قال لها أنه أخيها فلماذا إذاً الغيرة والأندفاع أيتها الغبية.
جرت نحو الباب الموصود لتفتحه وتذهب إليها لتعرف سبب ما هي فيه بهدوء لكن دون فائدة،
فتنهدت صبراً تفكر قليلاً لتصل إلي الحل الذي سينتشلها من المأزق الذي اوقعت نفسها فيه.
جرت نحو الكمود الملتصق بالفراش والذي وضع صابر بداخله هواتفهم معاً بعد أن اغلقهم، فتحته وأخذت منه هاتفها والذي لاحظت أيضاً انه لا يوجد سواه بداخله،
فأخذته سريعاً ما إن فتحته إلا وأسرعت في الاتصال بمن ستنجيها من ورطتها هذه.
-الو ايوة يا تيتا.
على الفور اتاها الرد حيث صرخت جدتها عبر الهاتف.
-أخيراً فتحتي تليفونك، ايه دا انتِ بتعيطي يا مريم، اتكلمي يا بت مالك عمل فيكي ايه ابن النغاس.