الفصل الثالث عشر
دلفت عليها والنعاس مازالت اثاره على وجهها،
لكن ما ازعج الأخرى تلك المنامة ذات الحملات الرفيعة والشورت القصير التي ترتديه،
حين استمعت لسخريتها منها والتفتت إليها.
-الله هو انتِ لسة بتعملي القهوة لصابر يا مريم، دانا قولت انك هتبطلي تعملي الحوار دا بعد ما خلاص اتجوزتيه.
-نعم انتِ تقصدي ايه يا نهار أسود، ايه اللي انتِ مش لابساه ده.
قضبت ليلي ما بين حاجبيها واحنت رأسها لتشاهد جسدها العاري بالنسبة لمريم
ثم رفعتها متحدثة معها بتعجب.
-ايه اللي انا مش لابساه، دي اسمها بيچامة نوم لو انتِ ماتعريفيش.
قابلتها مريم برفعة حاجب وأوصدت ذراعيها أمام صدرها تعبيراً عن إنزعاجها.
-لاء عارفة كويس أوي أنها بيچامة نوم، بس اللي أعرفه كمان إنها مش بيتخرج بيها من أوضة النوم،
وخصوصاً بقى إذا كنتي قاعدة في بيت في راجل غريب عنك.
دلفت الخادمات إلى غرفة الطهي كل منهن تحني رأسها في صمت،
بينما لمحت ليلي صابر وهو يترجل على الدرج فتصنعت الحزن الأنزعاج من تلك الكلمة.
-بس صابر مش غريب عني، دا إبن خالتي وانا بالنسبة ليه اخته.
أنزعجت من حديثها أكثر وأكثر، حتى أنها لم تلاحظ قهوته التي ضاع وجهها حين غلت وتحركت نحو تلك المستهترة.
-لا والله ويا ترى بقى هو بالنسبة ليكي يبقى ايه.
-في اي عالصبح.
ها هو يجهر بصوته من الخارج، ليوقفهم عن شجارهم.
جرت ليلي نحوه غير عابئة بهذه التي تكاد تنفجر غيظاً وحاولت جذبه معها.
-مافيش حاجة يا صابر صباح الخير، الشاغلين حضرو السفرة ومريم بتعملك القهوة، تعالى يلا نقعد نفطر سوى علبال هي ما تخلصها.
احنى رأسه بخجل من هيئتها لكن هذا لم يشفع له، فقد إنفجر بركانها وقضي الأمر.
أخرجت وحشها الكامن وصرخت بإنفعال.
-مستني أيه يا صابر ما تروح تفطر معاها، الله انت باصص في الأرض كده ليه، ما تبصلها عادي هي مش بالنسبة ليك زي اختك.
رفع وجهه بعين جاحظة لتتقابل مع تلك الثائرة التي حتماً ستجلط دمائه بغبائها،
لم يلتفت إلى ليلي التي تأكدت من نجاحها في شجارهم وتركتهم وذهبت إلى مائدة الطعام، وتوجه هو إليها والغضب حليفه.
أمسك ذراعيها بين يديه وضغط على لحمهم وزجرها بصوتٍ هادئ.
-وطي صوتك ده شوية، ماتنسيش إن فيه شاغلين في البيت، هو انتِ اي مابتفكريش ابداً،
كل اللي انا قولته بليل اتمحى من دماغك النشافة دي.
نفضت يديه بقوة وصرخت فيه.
-انت جاي تتشطر عليا أنا، ما تشوف الهانم اللي واخده راحتها على الآخر، شكلها عجبتها حكاية الإغت.... وعايزة تجربها تاني.
مع أخر كلمة نطقها لسانها كانت قد تلقت الصفعة الثانية.
هذه ثاني مرة يهينها وبتلك الطريقة، ولم يكن الأمر هين عليها، حيث انها تلقت ضربتها أمام غريمتها وشعرت بأنه محى كرامتها بالكامل،
جرت نحو الأعلى من أمامه وهو أيضاً كالعادة تركها وذهب رامقاً الأخرى بنظرة بغيضة.
استقل سيارته وسريعاً ما كان تاركاً المنزل بأكمله، ليذهب إلى جحيمه الذي سيُقع الجميع فيه اليوم.
وبعد ان وصل إلى مقر الشركة، وترجل من المصعد وقف في وسط هذا الرواق المتصل بين مكتبه القديم ومكتب رئيس مجلس الأدارة.
و تأهب الأن لخوض المعركة، أعطى ظهره لغرفة مكتبه وولج إلى مكتب والده وبصفته المالك الشرعي الأن لكل شئ،
قرر أن يتولى دور رئيس مجلس الأدارة وجلس على مقعد أبيه خلف مكتبه، سحب ورقة بيضاء وأمسك بالقلم وشرع في أخذ أول قرار له وكان نصه الأتي.
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار من رئيس مجلس الادارة
أمر تشغيل من السيد المهندس/صابر فرج النغاس
بصفته رئيس مجلس إدارة المجموعة والمالك الوحيد لها بأن ينقل السيد/ حسن صابر النغاس من مدير إدارة قسم العلاقات العامةو الأعلام بالشركة الى موظف بقسم الأرشيف،
وإن لم يمتثل لهذا القرار، تتم إقالته على الفور وعلى قسم السكرتارية إخطاره بذلك
وهذا قرار منا بذلك
امضاء: صابرالنغاس
أنهى كتابته واغلق قلمه ثم ضغط على زر الجرس المتصل بينه وبين مديرين المكتب
-تحت أمرك يا باشمهندس.
رفع له تلك الورقه أمراً له دون أن يرفع له عينه.
-الورقة دي يطبع منها نسختين نسخة تتسلم لإدارة العلاقات العامة، والنسخة التانية تنزل الأرشيف.
مد السكرتير يده وأخذ الورقة وبدء يتفحصها بعينه وهو مندهش.
وعندما لاحظ هو طول مدة وقوفه أمامه، رفع له عينه سائلاً.
-في حاجة ولا ايه.
تفاجئ السكرتير برده وتراجع للخلف خطوة.
-ها لا لا أبداً يا باشمهندس بس يعني بصراحة احنا ماعندناش اي علم بحاجة زي دي، فرج باشا كان لحد امبارح بس هو اللي بيدير المجموعة.
أسند ظهره على مقعده وارتاح في جلسته، بدء ينقر بقلمه على زجاج المكتب نقرات هادئة وابتسم له قائلاً.
-واظن إن الورقة اللي في إيدك دي بتوضح ليك مين هو اللي بيدير المجموعة دلوقتي، يا ريت بقى تتفضل على شغلك وتدخلي البوستة بعد ما تعمل اللي قولتلك عليه.
بدون اي حديث اخر ألتفت الشاب خارجاً مغلقاً خلفه باب المكتب.
وبعد ثلاثة دقائق بالضبط تأهب للحدث الأفظع، رفع معصمه أمام عينه لينظر في ساعة يده وهمس و يراقب حركة مقبض الباب ويحرك أصابع يده.
-واحد إتنين تلاتة.
وكأنه يحفر في ذاكرته خطوات أبيه بالثانية ويعلم ميعاد وصوله،
فتح النغاس الكبير الباب ودلف منه بوجهٍ محتقن من شدة الغضب ووقف يناظر إبنه الجالس في مكانه.
-أخر ما كنت أتوقعه، إنت يا صابر بتطعني في ضهري وتستولى على مكاني.
لا ينكر أنه قد عاد اليه الشعور بالخوف بمجرد أن استمع لصوت والده الغاضب، لكنه حاول أن يتحلى بالجمود.
-مستغرب ليه يا فرج باشا، المفروض حتى انك تكون متوقع حاجة زي دي.
-اتوقع ايه إن ابني يغدر بيا، انه يطعني في ضهري ويسحب البساط من تحت رجلي، جاي تقعد مكاني وتقولي خلاص مبقاش ليك فيها بتقتلني وتنهي حياتي بإيدك إنت يا صابر.
مع نفضة يد أبيه، هب واقفاً صارخاً في وجهه.
-حقي يا فرج باشا، اللي انت طول عمرك واكله عليا، كل املاكك دي كان راس مالها الأساسي فلوس أمي، وأظن أنا الوريث الشرعي ليها، وإنت طول عمرك حارمني وقاتلني
سيبني بقى ادوقك حبه من العذاب اللي انا دوقته.
-يا بني انت فاهم غلط خالتك زرعت جواك الحقد ضد أبوك.
-لااااااء
أنا طول عمري بحاول اربط كل الذكريات اللي في دماغي ببعضها وهي كل اللي عملته انها رتبتها قصاد عيني عشان أفتكر،
أفتكر ايدك اللي كانت غرقانة وبتنقط بدمها، افتكر ازاي عرتها ونيمتها جانب راجل غيرك عشان توصمها بتهمة هي بريئة منها قصاد ربنا
إفتكر أنت ازاي قهرتني طول السنين دي في كل مرة بتقولي فيها هقتلك زي ما قتلتها عشان انت ابن...
لم يقوى النغاس الكبير على الصمود أكثر من ذلك، لم تقوى قدميه على حمل جسده الذي ارتخى على أول مقعد قابله،
وانحنى برأسه أرضاً مخبئاً وجهه بين راحتي يده حتى لا يرى ولده دموعه التي خانته لأول مره بعمره كله.
-أسكت يا صابر.
-لاء مش هاسكت، عارف ليه عشان زمن السكوت انتهى، صابر الطيب اللي انت كنت زمان عارف تسكته وتلجم لسانه خلاص مات،
مات لما فهم ان امه عمرها ما كانت خاطية زي انت ومراتك سوؤتو سمعتها، صابر فاق من الغيبوبة اللي كنت منيمه فيها
خلاص، وأنا بقى اللى هقولها ليك المرة دي يا أبويا،
هقتلك بس مش بأيدي ولا برصاصة من سلاحي زي ما أنت كنت بتقولهالي،
هقتلك بالندم يا فرج يا نغاس، عيش بقى حياتك وانت شايف حقيقتك قدام عينك، وريني هتقدر تصمد لحد إمتى، وبعد ما ابنك عرف إن ابوه قتل أمه وعشان يهرب من جريمته
اتجرد من لقب راجل و سمح لنفسه إنه يوصمها في شرفها وسمعتها،
ودلوقتي أنا اللي بقولهالك، اطلع برة شركتي مش عايز أشوفك تاني في حياتي، فرج النغاس بالنسبة لي مجرد إسم في شهادة ميلادي،
انا ابويا مات سامع مات.
بمجرد أن انتهى ولده من هجومه اللازع عليه، شعر وانه أصبح كهلاً، ليثاً عجوزاً لا يقوى على الحركة، لكنه تحامل على نفسه،
اتكأ على عصاه ووقف ينظر له بإنكسار وتحرك للخارج في صمت، وهو على يقين تام أنه خسره للأبد، بل وتأكد أنه نقل بداخله شيطانه الذي لن يخمد إلأ بإحراق الجميع.
لا يعلم لماذا يشعر بتلك الغصة داخل قلبه، ولا يدري لما قال له ذلك، كل مشاعر الخوف التي كانت بداخله تحولت فجائة إلى نيران قد اشتعلت داخل جسده وإن لم يكن أخرجها كانت حتماً ستحرقه هو.
إلى بيته وهو في اسوء حالة، ومع اول خطوة يخطوها بداخله، سقط فرج النغاس ارضاً، وسقطت كل حصونه القوية، و فجأة أنطفئ النور داخل عينه، كل هذا كان تحت نظراتها المندهشة.
وقفت تحدق فيه بعينها الجاحظة إلى ان فقد وعيه وعند ذلك جرت درية لتنادي إبنها.
-حسنن ألحقني، الحق ابوك دا ماينفعش يموت دلوقتي خالص.
قفز حسن منتفضاً من على فراشه.
-مين دا اللي يموت، هو مش راح الشركة.
-إنت لسه هتسأل، ابوك رجع ماعرفش ليه وأول ما دخل وقع، قوم شوفه دا باينه مات ولو كان حصل تبقى كل حاجة راحت من ايدينا.
جرى حسن للأسفل ليرى ماذا حدث لأبيه، وهو يصرخ.
تفاجئ بوالده الملقى ارضاً جرى نحوه وأنحنى عليه وجده لا يصد ولا يرد.
-دا قاطع النفس يا ماما، هو مات ولا ايه.
-انت لسه هتسأل اتصل بالدكتور خليه يجي يشوفه ونفهم في ايه.
بالفعل أطاع أمرها وحضر الطبيب الذي بدوره أصدر قرار بنقله إلى المشفى وهناك علموا انه تعرض لأزمة قلبية وزبحة صدرية كانت ستنهي حياته.
حاول جاهداً يفصل عقله عن التفكير في أوموره العائلية ويضع كل تركيزه في عمله، لكن هذه المكالمة الهاتفية جعلته يثور ويجن جنونه.
أبنة خالته تلك المتطفلة التي هبطت على حياته، وبرغم شعوره بالأنتماء لوالدتها إلا أنها تزعجه بتصرفتها دائماً.
-ألوو نعم.
-الو صابر عامل ايه يا حبيبي.
أغمض عينه بأسف وشعر بغصة في حلقه، لكم تمنى أن تكون عنيدته هي من تحدثه الأن، ود لو أستمع لهذه الكلمه وشعوره بتلك اللهفة منها هي وليس غيرها.
-أنا كويس يا ليلي، خير هو في حاجة.
-لاء مافيش حاجة خالص ماتقلقش يا حبيبي أنا كويسة، بس انت خرجت متعصب الصبح وقولت اطمن عليك.
زفر أنفاسه بضجر، وهو يفكر في حبيبته، حتماً أنها مستشاطة غيظاً إذا كانت تستمع إلى حديثها معه الأن.
-اومال فين مريم انتِ مش قاعدة معاها ولا إيه.
-لاء هي من ساعة انت ما خرجت وهي طلعت أوضتها، وبعد كده شوفتها وهي خارجة من البيت،
دي حتى زعقت مع الحارس بتاع الأمن برة ومش رضيت تخليه يوصلها المكان اللي هي رياحاه،
هي مريم زعلانة عشان انا قاعدة معاكو يا صابر، أنا اسفة بجد لو كان اللي حصل بينكم دا بسببي أنا.
ظل منصتاً لها إلى أن أنهت كلماتها معه، وبعدها همس بجملة واحدة.
-أقفلي دلوقتي يا ليلي.
اغلق الهاتف وقد أقتحم الشيطان عقله مرة أخرى، هل يعقل أن تتركه حبيبته بهذه السرعة، نعم قد اخطئ في حقها، لكن هي من أجبرته على فعل ذلك،
جمع أشيائه وقرر الذهاب للبحث عنها إعادتها إلى عرينه حتى لو كان هذا دون إرادته سيفعلها أكيد.
وفي الطريق حاول الاتصال بها أكثر من مرة لكن لم يتلقى في ولا مرة رد، إذاً كيف سيعرف وجهتها وإلى أين ذهبت حتى جائه الرد سريعاً.
رن هاتفه وأضائت شاشته وظهر عليه إسم الصغير.
-ديشا ازيك يا صاحبي.
-بلا ديشا بلا صاحبي بقى دي عاملة تعملها برضو يا عمو صابر.
هكذا فاجئه الصغير برده الرجولي، وإذا به يعنفه ويحاول أخذ حقها منه بكلاماته اللازعه.
-بقى نديلك البت وردة مفتحة تضربها وترجعهالنا دبلانة كده يا ابو الصحاب، طيب لما اشوفك انا هتخانق معاك واعرف اخدلها حقها منك كويس.
-جبت الكلام دا منين يا ديشا هي مريم جات عندكم.
-ايوا عندنا وخلاص انا قولت لتيتا، انك مش هاتشوفها، ومش عايزينك تيجي عندنا تاني.
-طيب يا ديشا، اقفل يا حبيبي وانا في الطريق اهو وقربت اوصل عندكم.
-بقولك مش عايزين نشوفك، وهي كمان خلاص قالت انها مش عايزاك وهتطلق منك كمان.
-طيب قولي هي قالت الكلام دا ليك إنت بس، ولا قالته لبابا وتيتا.
-لاء قالت لتيتا بس أنا هاقول لأبويا واخليه يلم الرجالة ونضربك زي ما ضربتها.
-كده برضو يا صاحبي وانا اللي بقول ديشا بيحبني وهايقف في صفي، تيجي عليا انت كمان وتظلمني من غير ما تعرف اللي حصل.
-مش عايز اعرف حاجة، واللي يزعل مريم يبقى كأنه زعلني بالظبط، ويلا بقى من غير سلام.
اغلق الصغير الهاتف في وجهه، وبرغم كل ما هو في لكنه ابتسم على حبه وتعلقه بها.
-منك لله يا مريم شوهتي صورتي قدام الواد وجدته.
كانت تجلس على الأريكة تستمع إلى حديث الصغير معه وتضحك دون أن تصدر اي صوت، إلى أن أغلق الهاتف معه وعندها أمسكت به وحملته لتجلسه بجانبها وهي تربت على صدره.
-يحميك يا بن ابني، انشالله تكبر وتبقى راجل اد الدنيا بحق وحقيقي، شاطر يا واد يا ديشا.
-الله مانا راجل يا تيتا هو انتِ فاكراني عايل صغير طب وربنا لو جيه لألم عيال الشارع ونحدفه بالطوب لحد ما نكسره هو وعربيته.
-لاء إهدي كده وصلي على النبي، احنا مش عايزين ابوك يعرف حاجة،
مانت سمعت بنفسك اهو وشوفت هو خاف على زعلها ازاي وقالك انه جاي ياخدها، يبقى احنا بقى مانزودش الخصام ما بينهم.
-يعني انتِ عايزاني اشوفها تروح في النوم وهي بتعيط كده واسكت.
-أه تسكت عشان اول ما جوزها هايجي و يراضيها ممكن تقولك عيب يا ديشا ماتزعلش عمك صابر وهترجع معاه تاني،
المهم دلوقتي انك ماتوقعش بلسانك قصاد ابوك، مريم جاية عشان تبص عليا وجوزها عدي عليها عشان ياخدها.
-اومال خلتيني اقوله كده ليه.
-عشان نعرفه انها مش هفيا يا واد، دا بنتنا غاليه علينا دي ست البنات كلهم، ولو فكر بس يهينها لاء داحنا أصغر عايل في عليتنا راجل ويعرف يجبلها حقها من عنيه كمان.