رواية بيت النغاس الجزء الثاني الفصل الرابع عشر

بيت النغاس الجزء الثاني

 الفصل الرابع عشر


كان الغضب مسيطر عليه بالكامل، لكنه قرر أن يكمنه بداخله حين وصل إلى بيت عائلتها، ترجل من سيارته وعينه مرتكزة على ملامح وجه عمها

الذي تأكد أنه لا يعرف أي شئ من ترحيبيه له.

-أهلاً أهلاً يا صابر يا بني، حمدلله على سلامتك يا حبيبي. 

-الله يسلمك يا عم عمران أنا كنت جاي عشان اسلم عليك انت وتيتا واخد مريم ونروح. 

-بسرعة كدة دانا قولت البت جاية تقعد معانا يومين ولا حاجة، طب بص اطلع انت وانا هاشوف حد يقف في المحل بدالي واطلع وراك. 

تركه وصعد إليهم، دق الباب وفتحه الصغير مصطفى الذي ما إن رأه إلا ودفع قدمه
نحو ساقه وركله بقوة.

-جاي عندنا ليه، مش قولتلك ماتجيش هنا تاني.

تصنع صابر الألم٬ وانحنى عليه وحمله على ذراعه محاولاً استعطافه.

-اخص وانا اللي قولت ديشا صاحبي وهو اللي هيقف جانبي في الحكاية دي، وبعدين في راجل يطرد ضيفه من على الباب كده يا ابو الصحاب.

-وفي راجل يستقوى على بنت ضعيفة لوحدها ويسمح لنفسه إنه يمد ايده عليها يابن النغاس، 

بقى انت كنت بتصمم انك تاخدها عشان تحبسها في بيتك وتمنع عنها حتى التليفون وتستفرض بيها بالطريقة المهينة دي، ليه فاكر إن مالهاش اهل ولا انت كنت واخدها من الشارع.

هكذا انهت الجدة حديثها لتفاجئه بوجهها الصارم، انزل الصغير من علي يده وأغلق الباب واتجه نحوها، قبل يدها وجلس أمامها بوجه محتقن من أثر الدماء النافرة في عروقة. 

-ليكي حق تقولي أكتر من كدة، إذا كنتِي سمعتِي منها وصدقتيها برغم ان انتِ اللي قايلالي انها مندفعة ومتسرعة ودايماً بتحكم على الناس غلط. 

-ودا يديك الحق انك تجبلها واحدة تقعد في بيتها من غير هدوم، ولما تحاول تحافظ على كرامتها تضربها يا صابر. 

أحنى رأسه بغضب، يبدو أن عنيدته قد شوهت صورته بالكامل، لم يتحدث حين استمع لباقي اتهامها 

-كنت بتصمم ليه انك تاخدها معاك لما عندك اللي ماتنكدش عليك، بص يا بني ابوك لما جالي هنا اتعهد انه هيعملها بدل الفرح فرحين لما انت تشد حيلك وتقف على رجليك، وعشان كده وافقت وقولت وماله اهي تقف جنب جوزها وتبقى سنده في شدته، 

لكن بقى اللى اكتشفته انك اخدت البت بهدلتها وحبستها وبدل ما تفرحها ببيتها وتبقى عروسة وتفرح زي كل البنات،

رجعتلي زي ما راحتلك وكمان متهانة ومضروبة

يبقى لزمتها ايه العيشة معاك، زي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف احسن. 

جحظت عينه واندهش أثر ردها، يبدو أن تلك الشقية قد افصحت لها عن أدق تفاصيل حياتهم الخاصة، وعليه الأن أن يدافع عن نفسه. 

-إنتِ عايزانى أطلقها يا تيتا، طب ليه عشان بحافظ على شرفي، البنت اللي الهانم جات وحكتلك عليها دي تبقى ليلى بنت خالتي،

أمها وابوها سافرو وسابوها، قوليلي انتِ بقى ازاي اسيبها قاعدة لوحدها في فندق وانتو عارفين انها لسه خطوبتها على اخويا متفشكلة

وأكيد برضو مريم هانم حكتلك هو عمل ايه معاها وعشان كده انا جابتها البيت عندي.

-قالتلي ومعاك حق تخاف على اللي ليك، بس كمان ماتولعش النار جنب البنزين وتيجي تقول مش هيحصل حاجة،

يابني البت مالحقتش تفرح بيك، ولا انت كمان حتى فرحت، طب بزمتك كان مين أولى تشوفها قصاد عينيك باللبس دا مراتك حلالك ولا بنت خالتك.

تنهد بقلة حيلة ورفع عينه لها بحزن.

-عارف كل اللي انتِ عايزة تقوليه، بس غصب عني، دي واحدة مولودة وسط الأجانب وطول عمرها بتلبس كده، ودي حاجة ماتخصنيش انا اللي يخصني اني احافظ عليها لحد ما اسلمها لوالدتها وخلاص،

هي بقى بدل ما تهون علي كل اللي انا فيه، كل شوية تخلقلي مشكلة جديدة تخليني اتعصب عليها وأخرج عن شعوري.

لمحت لمعة العبرات المحتبسة داخل عينه، والتى يجاهد في عدم انزالها بتعصبه وصوته العالي، تغاضت عن تعنيفها له وقررت ان ترخي له الحبل الأن.

-وانت تزعل لما حبيبتك تغير عليك، يا عبيط دي الغيرة اساس الحب.

هدئ من تعصبه وأخفض من نبرة صوته أحتراماً لها، وشرد بذهنه جانباً. 

-ماحدش حاسس بلي انا فيه، هي الوحيدة اللي كنت فاكر ان وجعي يهمها، لكن لاء ازاي لازم تحافظ على شكلها وتخاف على كرامتها ويولع صابر بقى. 

إتكئت على عصاها وتحركت قليلاً ثم ربتت على ظهره، محاولة جذب تلك الطاقة السلبية من داخله. 

-إسم الله عليك من الوجع يا حبيبي، يا واد دي مريم غلبانة ويتمها كسارها، مالهاش غيرك انت اب وحبيب حافظ على عزة نفسها بدل ما تكسرها يا صابر. 

-والله يا تيتا عملت كده، وهي عارفة كويس انها أغلى من روحي، طب ما ليلي كانت قصاد عيني قبلها، 

وكمان بعد ما عرفت انها بنت خالتي كان سهل عليا اوي إن اسيبها وأخطب ليلي، ايه بقى اللى يخليني اتمسك بيها الا اذا كنت متن... على عيني وبحبها.

-طب قوم ادخلها أوضتها كلمها بالراحة ورضيها بكلمتين، يلا قبل عمك عمران ما يطلع، احسن لو عرف ممكن يتخانق معاك ويقولك بنت اخويا مش هترجع معاك.

لم يكن بوسعه إلا أن يستمع لرأيها، تحرك نحو الغرفة وهو مازل محافظاً على أحتقان وجهه الغاضب، 

حتى بعد أن فتح بابها ودلف إليها، شعر بخوفها من نظرة عينه حينما انتفضت ووارت عيناها سريعاً منه.

وهنا وقف الصغير من جانبها وتصدى له حتى يحميها منه كما يظن.

-نعم إنت داخل هنا ليه ماحدش عايز يقعد معاك هنا.

لا وقت للمزاح الأن، الحديث الأن سيكون بقسوة حتى لو معك انت.

-اطلع برة دلوقتي يا مصطفى.

-لاء مش هاطلع انا...

زمجر صابر بخشونة وبنبرة جعلت الصغير ينظر له بعين جاحظة. 

-بقولك ايه انا مش فايق للعب العيال دا دلوقتي، اطلع وسيبني اتكلم معاها شوية وبعدها يمكن اسيبهالك خالص.

تلك الكلمه خرجت من فاهه كرصاصة اخترقت صدرها، و جعلتها ترتد لتنظر له بعينٍ تزرف الدمع.

ترجل الصغير من الغرفة على مضض وبعدها أغلق هو الباب أمراً لها.

-قومي يا هانم غيري بيچامتك دي والبسي حجابك خلينا نمشي.

رفعت حاجبها الأيمن ونظرت إليه بتعجب، أبعد كل ما حدث لا يكلف نفسه ان يقول لها كلمة رقيقة.

-لاء مش هاجي معاك ومش هسمع كلامك انت اصلاً مش ليك دعوة بيا.

أقترب منها وجذبها من على الفراش وضغط على ذراعيها بقبضتيه.

-مش هنتكلم هنا يا مريم، خليني هادي وكفاية خناق على الاقل لحد ما نروح بيتنا.

-دا مش بيتي، وإنت مش صابر حبيبي اتفضل سيبني وروح اقعد مع الهانم بتاعتك براحتك. 

حاولت نفض يديها من بين قبضتيه لكنه رفض تركها وسيطر على صراخها بضمها إلى صدره بقوة وهمس في أذنها بعناد.

-ماشي خليكي هنا اقعدي مع جدتك، وسيبها هي بقى تاخد مكانك في كل حاجة،

والله لو ما سمعتي الكلام واتعدلتي لكون كاتب كتابي عليها النهاردة، على الأقل اتجوز يا أنسة.

لم تقوى على إخفاض صوت شهقاتها، وبدئت تضرب صدره بقبضتيها وهي تصرخ.

-روح اتجوزها زي ما أنت عايز بس طلقني أنا الأول بقى وسيبني في حالي.

-للأسف إنتِ كل حالي

ضغط على رأسها من الخلف وأغلق على جسدها داخل يده، قبض على شفتيها المكتنزتان بثغره وبقبلة طويلة إمتص كل غضبها بداخله وبعدها حررها من براثنه.

-عشر دقايق وتكوني جاهزة عشان نرجع بيتنا، وهناك انا هعرف اظبطك تاني يا مريم.

ألصقت جبينها بصدره وحاوطت خصره، معلنه عن عدم رغبتها في الأبتعاد.

-لاء مش هاروح معاك، دا مش بيتي وإنت مش جوزي.

-ما قولتيش حاجة جديدة يا غبية، أنا فعلاً لسة مش جوزك بس وحياتك إنتِ عندي ليحصل النهاردة، عشان تبقي تحكي كل حاجة لجدتك كويس.

خجلت من تلميحاته الهامسة لها، ألتفت بين يديه وأحنت رأسها واضعه يدها على وجنتها.

-عايزني ارجع معاك عشان تضربني تاني.

-عايزك ترجعي معايا عشان ماليش غيرك، إنتِ كل ناسي يا مريم.

بتلك الكلمات البسيطة عاد ليمتلكها، وبتلك القبل الرقيقة طرد الحزن من قلبها وأحتل مكانه عشقه الدائم . 

-وإذا كنت مش عارفة اخد راحتي في بيتي، أنا حاسة انه بيتها هي مش انا. 

تنهد بضجر ولفها إليه مرة أخرى. 

-لاء بيتك وهي ضيفة عندك، يبقى نستحملها لحد ما مامتها تاخدها او هي تسافرلها ونخلص وكفاية خناق بقى عشان انا خلاص جبت أخري ويلا اجهزي بسرعة عشان نمشي. 

تركها مندهشة من رده الصارم لها وترجل من الغرفة وجد عمها جالس مع والدته، وديشا يجلس أمامه والغضب يحتل ملامح وجهه، 

تحرك نحوه وجلس بجواره وبدء يعبث في شعره. 

زج الصغير يده وابتعد عنه قليلاً دون أن يحدث او حتى يلتفت إليه، تعجب والده من هيئته هذه وسألهم. 

-مش بعادة يعني تبعد عن صاحبك كده، حصل حاجة ولا ايه، اوعى يكون الواد دا زعلك في حاجة يا صابر. 

قبل أن يجيبه هتف الصغير بغضب. 

-يا سلام وبتسأله هو وخايف على زعله أوي ليه مش يمكن يكون هو اللي زعلني. 

-ما يزعلك ياض اخوك الكبير وفي مقام ابوك كمان، تسمع كلامه غصب عنك. 

-لاء مش اخويا وانا مش بحب اعمل حاجة غصب عني. 

ابتسم صابر وجذبه على قدمه محاولاً كسب رضاه.

-ماشي يا عم انا اللي غلطت في في حقك برضو حقك عليا يا صاحبي. 

بيده الصغيرة امسك تلابيب قميصه ليحنيه قليلاً حتى يهمس في أذنه. 

-يعني خلاص مش هتزعلها تاني. 

أومئ برأسه له عدة مرات مؤكداً بهمس. 

-عمري يا حبيبي انا اصلاً ماقدرش ازعلها، دي هيا اللي مزعلاني وحياتك. 

-هما البنات كلهم كده، اقولك على حاجة صالحها انت وهات لها هدية. 

ابتسم له على تفكيره المصائب. 

-ماشي كلامك يا عم، بس بقولك ايه روح استعجلوا بقى عشان منتأخرش اكتر من كده. 

-الله طب لسه بدري، انا مش عايز أعلى صوتي عشان ابويا مايعرفش حاجة، خليها معايا يومين ولا تحب اقوله. 

ضحك صابر رغماً عنه ضحكة عالية ثم رفع الصغير بيد واحدة من على قدمه وزجه بيده نحو غرفتها. 

-لا وعلى ايه، انت مش خلصت امتحانات واخدت الأجازة. 

-ايوة ونجحت كمان في سنه اولى. 

-خلاص يا عم روح جهز نفسك انت كمان وانا هاخدك معانا. 

فرح الصغير بما قاله له وجرى نحو غرفتها وهو يهتف. 

-يا مريم حطيلي هدومي في الشنطة معاكي ويلا بسرعة عشان نمشي. 

تدخل الحج عمران نافياً. 

-طب ودا ينفع برضو يا صابر، دانتوا لسه عرسان جداد، وديشا لو راح معاكو مش هيسيب مريم. 

-ماتقلقش يا عمي انا هاخده يومين بس كده علبال مريم ما تاخد على البيت وانا في الشغل وعشان هو كمان مايفضلش زعلان. 

- انت شايف كده، ماشي قولي أخبارك إيه عامل ايه مع ابوك دلوقتي. 

على ذكر والده رن هاتفه وأمسك بيده ليتفاجئ بأن المتصل حسن اخوه. 

أغلق الهاتف و وجه حديثه اليه، دون أن يخبره بشئ عن ما حدث بينهم. 

-عادي مافيش جديد بينا انا أول يوم انزل الشغل النهاردة ولسة ماتوجهناش. 

ترجلت مريم من الغرفة ممسكة بيد الصغير، نعم استمعت لما أمرها به، لكن ما ازعجه إطلالتها الحزينة. 

انتبه أيضاً عمها لوجمها هذا وعلق عليه. 

-في حاجة ولا ايه، مالك يا مريم إنتِ زعلانة من حاجة. 

لم يتدخل صابر في الحديث بينهم رمقها بثبات يحسد عليه مستمعاً إليها. 

-ها لاء مافيش يا عمي، الظاهر داخل عليا دور برد يلا يا صابر احنا جاهزين. 

وقف من على الاريكة موجهاً حديثه لها. 

-طب ادخلي سلمي على جدتك، وانا هستناك تحت. 

ليهتف الحج عمران بإصرار. 

-الله في سماه مايحصل ولا تتحرك من هنا إلا بعد الغدا، دي الحجة بنفسها بتحضره هي وام ديشا جوه، اقعد يا واد مافيش مرواح دلوقتي. 

وفي الطريق لم يصمت هاتفه عن الرنين، ولم تحيد هي أيضاً عيناها عنه. 

-ما ترد على موبايلك اللي مش مبطل رن دا. 

-سبيه مش مهم اصلاً. 

-أه تلاقيها الهانم عايزة تطمن عليك. 

رمقها بجانب عينه وزفر أنفاسه، ثم هتف للصغير. 

-طب اقولها ايه دي بقى يا سي ديشا، اهي بتبدء خناقة جديدة اها. 

-ليمها بقى يا مريم. 

هكذا رد الصغير المتكئ على اريكة السيارة بالخلف. 

ليضحك هو عليه، ويعاود هاتفه الرنين. 

-الله طب ما ترد مش عاوز ترد ليه إلا عشان انا معاك. 

-ليه هخاف منك مثلاً، طب ما احنا رايحين ليها دلوقتي وهتبقى كلها على بعضها قصاد عيني يا هانم. 

أعتدلت في جلستها بجانبه تنظر للأمام موصدة ذراعيها امام صدرها تنفخ أنفاسها والضجر حليفها. 

ضرب هو عجلة القيادة بقبضته، وزمجر بخشونه للصغير. 

-شوفت يا معلم اهو يا سيدي مافيش فايدة في دماغها الو... دي. 

-الله ماتشتمش. 

هكذا هاجمته ملتفتة اليه وهي ترفع بسبتها في وجهه. 

وإذا بالهاتف يصدح رنينه مره اخرى، إلتقطته سريعاً قبل أن يجذبه وهي تصرخ. 

-ارد انا عليها طلاما حضرتك مش عايز تطمنها، الله دا حسن اخوك. 

-عرفتي بقى مش عايز ارد ليه يا غبية انتِ. 

قال جملته وهو يجذب الهاتف من يدها ويغلقه في وجه اخيه للمرة التي لا يعرف عددها ويقزفه على قدمها بقوة. 

-كممت ثغرها تكتم صرخة ألم، خجلت من نفسها ومن تسرعها في الحكم عليه ويقزفه بالتهم الزائفة دائماً وإذا بها تهمس له

-صابر. 

-اخرسي خالص مش عايز اسمع صوتك، لحد مانوصل وديني لوريكي يا مريم. 

انفزع الصغير في جلسته أثر صراخه عليها، وإذا به يقزف من الخلف على قدمها ويحالفها في الهجوم عليه. 

-إيه ماتزعقش لمريم كده، هو انت تقدر تعملها حاجة اصلاً وانا معاها. 

رفع حاجبه الأيمن مندهشاً من حديثه. 

-أه دانا واضح اني جيبت لنفسي وجع الدماغ، بقى انا ياض جايبك عشان تبقى شاهد على عمايله تقوم تيجي معاها عليا. 

احتضنها بيديه الصغيرة وقبل وجنتها بحب جم. والقى برأسه على صدرها. 

-معلش بقى يا عمو صابر انت صاحبي اه، بس هي حبيبتي. 

بقبضة يده القوية انتشله من على قدمها واجلس على قدمه وهو يأمره. 

-طب بس ماتقولش حبيبتك وتلزق اوي كده يا حنين. 


تعليقات