الفصل السابع عشر
بكل هدوء دلف إلى غرفتها، وجدها مازلت تبكي، فصعد على هذا الفراش التي تجلس عليه وجلس أمامها
قاضب حاجبيه مندهشاً من إنزعاجها هذا لدرجة أنه رق قلبه لها وقرر أن يمازحها بكلمات بسيطة حتى تخرج من حالتها هذه.
-الله إنتِ لسة بتعيطي يا بليلة، أوعي تكوني لسة زعلانة مني.
برغم حالتها المحزنة هذه، إلا أنها أبتسمت على حديث هذا الشقي وهمست ببكاء ضاحك.
-برضو بليلة قولتلك إسمي ليلي ايه هو الأسم دا يعني صعب عليك دا حتى أسهل من اللي أنت بتقوله دا.
إنتظر حتى أنهت حديثها ثم هتف متعجباً.
-طب والله بليلة أحلي، بس سيبك من كده وقوليلي أنتِ لسة زعلانة مني وعشان كدة بتعيطي.
جففت دمعاتها وربتت على يده لتطمئنه، وكأنها أرادت ان تفصح عن ما في قلبها وهي تظن أن هذا الغلام لن يفهم ما تقوله.
-لاء يا سيدي أنا مش زعلانة منك، ومش بعيط بسببك،
عارف أنا زعلانة أوي من حسن، مش عارفة إذا كان هو السبب في الحالة اللي وصلنا ليها دي
ولا أنا اللي اتسببت في كده، أيوة أنا صحيح اللي دخلته في اللعبه دي وانا برضو اللي ضحكت عليه وخليته يتعلق بيا بس كمان هو لو كان فعلاً بيحبني، كان لازم يتمسك بيا ويحاول يكسب قلبي مش يعاملني بالقسوة دي.
-إنتِ عبيطة يا بليلة ولا إيه.
تفاجئت برده اللازع هذا وكادت أن تجحظ عيناها وهي تسمعه يكمل ويشير لها علي رأسه بعلامة الجنون وهو يقفز من على الفراش ويبتعد عنها.
-اه وربنا شكلك عبيطه، لما واحد بتقولي إنك ضحكتي عليه ولعبتي بيه، مش عايزاه يقسى عليكي أومال عايزاه يعمل إيه يدلعك ياختي دا إيه الجنان دا.
لم تحاول أن تلحق به أو تجري خلفه، لكنها أندهشت من رد هذا الديشا ذو السبعة اعوام وإذا بها تتسائل بداخلها،
كيف بعقل صغير مثله أن يفطنمعنى هذا الحديث بل ويتهمها بالجنون، لتهتف له وهو مازال يتراقص أمام باب الغرفه ويفتعل حركات بهلوانية لها.
-إنت عارف إنك عندك حق تقول كده بس برضو إنت Bad boy
ثم قزفته بواسادة صغيرة ليجري هو ويضحك بصوت مرتفع.
عاد إلى بيته بوجه يكسوه الوجوم، ترجل خارج السيارة وقزف بمفتاحها للحارس ليصفها بجانب السيارات الأخرى، وأتجه للداخل،
لم يجد والدته بالأسفل فصعد إلى غرفة والده ربما يجدها تجلس معه، لكنه وجده مستيقظ في فراشه وحده ولا يوجد أحد معه، فدلف إليه بوجه حزين.
-إنت صاحي يا بابا، عامل إيه دلوقتي يا حبيبي.
-روحت لأخوك يا حسن.
هذا كان رده على سؤاله، ليتفاجئ هو بمعرفته بذهابه إلى أخيه فقرر أن لا يصارحه بالحقيقة، حتى لا تسوء حالته أكثر من ذلك.
-مين قالك إني رايح لصابر يا بابا، ما انت عارفه اللي بيني وبينه، هاروحله
ازاي بس وهاروحله ليه.
بانفاس متقطعة و عيون تلمع أثر الدموع التي تملئها.
- ماتكدبش عليا يا حسن، أمك قالتلي إنك
روحتله عشان تسطعفه وتترجاه يجي يبص عليا، أوعى تكون عملت كده، أوعى تشحت على أبوك يا حسن أنا يرضو فرج النغاس.
تفاجئ بحديثه الشديد رغم ألمه القوي، وبمحاولته النهوض من على الفراش، ليرجعه مرة أخرى إلى رقدته مجبره على الهدوء.
-معاش ولا كان اللي يعمل كده يا بابا، ليه يعني هو مين دا أصلاً عشان أروحله ولا أشحت منه،
دا صابر يا بابا فاكره اللي كان بيشيل شغل المجموعة كله على دماغه وفي الأخر ياخد مرتبه زيه زي أقل موظف.
-ماهي دي المصيبة يا حسن، صابر مش ناسي القسوة وهيرد كل اللي حصل فيه ليا وبدء شيطانه يتملك منه خلاص.
-دانا أقتله يا بابا قبل ما يحاول يرد قسوته عليك إنت أو حتى يمسك بأي سوء.
فاجئه بأمساك راحة يده بقبضة قوية وبعين يملئها الرجاء هتف له.
-لاء إوعى تعمل كدة، دا أخوك إوعى تحاول تأذيه دا هو الوحيد اللي هيبقى سندك في الدنيا بعدي.
-طب إهدى يا بابا عشان خاطري، إرتاح شوية بس عشان صحتك، هي ماما فين صحيح والممرضة اللي كانت هنا هي كمان راحت فين.
حاول تهدئة نفسه قليلاً ثم مال بوجه ناظراً للجهة الأخري، ساخراً مما تفعله ما تسمى بزوجته المصون.
-أمك مشت الممرضة قالت مانقدرش على دفع فلوسها، درية افتكرت إن السبع وقع فقالت تعجل بنهايته.
تظاهر بالإنزعاج مما تفوه به والده، ثم هب واقفاً وهو يرحل بحثاً عنها.
-كلام إيه اللي إنت بتقوله دا، ازاي ماما تعمل كده هي فين أنا هاروح ادور عليها.
قبل ان يترجل من الغرقة ارشده عن مكانها هاتفاً.
-هتلاقيها في أوضة مكتبي بتحاول تفتح الخزنة أصلها سرقت مفاتيحي من درج الكمودينو وهي فاكرة أني نايم، روح قولها حتى لو فتحتيها مش هتلاقي فيها اللي انتِ بتدوري عليه.
لم يلتفت إليه لكنه أنصت جيداً لكل كلمة قالها، عن أي شئ تبحث والدته، ولماذا لا يخبره هو عنه، جرى للخارج وترجل سريعاً على الدرج قاصداً غرفة مكتب والده،
وجدها تجلس خلف مكتبه تمسك بيد بعض الصور وباليد الأخرى تمسك مفاتيح تلك الخزنة الموصدة والتي حاولت مراراً وتكراراً فتحها دون فائدة.
إرتفع جانب شفاه العلوية وجلس أمامها مبتسماً بسماجة.
-واضح من شكل وشك إنك ماعرفتيش تفتحيها.
بوجه عابث وحاجب مرتفع رمقته بنظرة غاضبة.
-هي إيه دي يا واد إنت.
-إممممم عليا أنا برضو يا درية، الخزنة دي اللي ماسكة مفاتيحها في إيدك، واللي اخدتيهم وانتي مفكره إن فرج بيه نايم،
بس هو كان صاحي وشايفك وسابك تدوري على الحاجة اللي أنا مش عارفها وفاكرة نفسك هتلاقيها بسهولة.
من شدة غيظها كادت أن تمزق ما بيدها وهي لا تعي.
-كان صاحي وشايفني ومع ذلك سابني أخدهم عشان في الأخر مالقيش غير صور الهانم اللي قتلها بإيده من أكتر من عشرين سنة ولحد دلوقتي عمره ما نسي حبها.
-هي مين دي ماما قصدك أم صابر، بس انا عمري ما شوفت صور ليها معاه وريني كده.
قزفت الصور في وجهه وهي تفكر في شئ ما.
-دي كانت حلوه أوي يا ماما، فيها شبه كبير من صابر ازاي بابا كان مخبي الصور دي عنه.
ليستمع إلى صراخها النابع من إشتعال نيران غيرتها من مجرد صور قديمة أكل عليها الضهر وشرب.
-أنا في إيه ولا في إيه إنت كمان، سيبك من الزفت اللي في إيدك دا وحاول تفتح الخزنة دي.
ليفاجئها بما أملاه عليه والده.
-ما قولتلك اللي بتدوري عليه مش هاتلقيه في الخزنة صحيح هو ايه اللي بابا مخبيه وانتيشاغلة نفسك بيه دا يا ماما.
-الدهب!
بلمعة عين براقة تقدم بجزعه العلوي من حافة المكتب منتبهاً لحديثها.
-دهب إيه هو ابوي مخبي دهب.
-سبايك كتير وحياتك، أومال إنت فاكر إن ابوك غشيم وهيحط ثروتة كلها على الورق عشان صابر يجي في لحظه ويلهفها كده على الجاهز،
دا زي ما يكون كان بيعمل حساب اليوم دا،
كان عارف إن المصيبة جاية جاية، عشان كده كان بيحول فلوسه لسبايك دهب،
أنا شوفته وهو بيرصهم فوق بعضهم في الخزنه وأكيد في غيرهم كتير أوي بس ماعرفش مخبيهم فين.
بسرعة البرق خطف من يدها المفاتيح وأتجه نحو الخزنة ليحاول فتحها وتجربة بعض الأرقام عليها وهو يزجرها بالكلمات.
-ولما أنتِ ماتعرفيش مكانهم عايزة تعجلي بموته ليه ومشيتي الممرضة ليه بس يا درية هانم.
-مشيت الممرضة عشان أفهمه إننا مبقاش معانا فلوس عشان نقدر نصرف على علاجه، وقولتله إنك روحت لصابر برغم اللي عمله فيك
عشان تحنن قلبه على أبوك و تخليه يديلك فلوس.
بوجه غاضب وصوت مرتفع صرخ في وجهها.
-واهو صابر رفض وقالي ابوي مات بالنسبة لي ومش بس كده دا البيه طردني من بيته وقالي شيل شيلتك لوحدك،
وخلي درية تصرف شوية من الفلوس اللي كانت بتحوشها من ورى النغاس الكبير.
بكل حقد نظرت له.
-طبعاً ليه حق يتريق علينا، ما هو إبن عزيزة بعد ما كان دايق الزل طول عمره، ونفسه كانت مكسوره
بقى هو اللي سايق دلوقتي، لاء وكمان بيطلع لينا لسانه، بس لاء ورحمة أمه اللي كنت السبب في موتها ما هسيبه يتهنى بكل حاجة كده على الجاهز ولا هصرف مليم واحد من فلوسي على أبوه،
وإن مقالنش الدهب يبقى تحطه في عربية وتاخده ترميهله في قلب بيته بقى.
أخيراً ما إستمع إلى تكة باب الخزنة، لكن قبل أن يفتحه تفاجئ بحقدها البائن وألتفت إليها.
-بتقولي إيه يا ماما ارمي مين أبويا، وإنتِ فاكرة أنه بعد كده هينولنا حاجة من الورث.
وقفت بجانبه فرحة بفتح الخزنة، وربتت على يده برفق.
ما هو لو لقينا دهب غير اللي في الخزنة مش هنحتاج لا ليه ولا لفلوسه هو وابوه.
دفشت يده بعيداً و جزبت الباب الحديدي لتتفاجئ بالصاعقة التي أجحظت عيناها ليهتف حسن وهو يضحك.
-وأهي الخزنة مافيهاش دهب، ولا حتى ورقة بعشرة جنية، قولتلك يا درية هانم فرج النغاس مش سهل ولا راجل خرفان عشان يقدملك هدية كبيرة زي دي كده بالساهل.
-أسكت بقى.
قالتها درية بصراخ وهي تهوي على المقعد مرة أخرى وإذا بها تطرق جانبي رأسها بكلتا يديها وعيناها اصبحت زائغة كالمجاذيب.
-يعني إيه دانا شيفاه بعنايا دول وهو بيحطهم بأيده يوم رجعك وانت مضروب، أومال سبايك الدهب والفلوس اللي كانت هنا راحوا فين لحق شالهم تاني
إمتى بس دانا كنت مرقباه كويس أوي في اليومين دول، ومتأكده أنه ماخرجش بيهم من الڨيلا.
أوصد الخزنة بهدوء وعاد لجلسته أمامها مرة أخرى.
-يبقى تلايميها بقى يا درية هانم وبلاش تبيني قلة الأصل دلوقتي، خلينا نسايس النغاس الكبير ونعالجه بدل ما يموت مننا، وساعتها لا هندوق بلح الشام ولا عنب اليمن.
-بدئت تفكر وتستوعب معنى حديثه هذا، لتهدء من نفسها قليلاً متسائلة.
-عايزني أعمل إيه، وماتقليش اصرفي أنتِ على علاجه.
-لاء هقولك عشان ابويا فعلاً لازم مايشوفش حد غيرنا إحنا الاتنين بس اللي واقفين جانبه، ودا ليه بقى يا أم حسن!
عشان ساعتها مش هيطمن غير لينا إحنا ويقولنا على مكان الدهب، دا إذا كان في دهب من أساسه.
كل حديثه هذا كان هباء حيث التفتت إليه بوجه يكسوه الوجوم.
-كل الكلام اللي انت بتقوله دا دخل من ودني دي وخرج من التانية، تصدق مالحقتش حتى أفكر فيه، دانا مالحقتش أسمعه من أصله.
ثم هبت واقفة من على مقعدها وكأنها تستعد لمعركة.
-لاء يا حسن مش هاصرف مليم واحد على علاج فرج من فلوسي، ما هو مش كل مرة نفضل نفكر ونخطط وفي الأخر يجي ابن عزيزة يكوش على كل حاجة لوحده،
إنت من بكرة ترجع شغلك في الشركة، وانا هاقلب الڨيلا دي عليها واطيها لحد ما ألاقي الدهب يا كده يا هتلاقيني محملة أبوك دا في عربية وشحناه على بيت صابر بيه،
صدقني وحياتك عندي لأخليه هو اللي يشيل كل الشيلة لوحده.
كل حديثهم هذا كان يصل إليه، صوتهم وصورتهم كانوا وضحين له وضوح الشمس، حيث كان يتابعهم عبر الهاتف المتصل بكاميرة المراقبة المعلقة داخل غرفة مكتبه،
وبرغم كل ألامه إلا أنه أبتسم إبتسامة حصرة
على ليث كانت تهابه الضباع، وحين توعك ومرض قليلاً ظنوا أنه سقط ولن تحمله قدماه مرة أخرى.
إبتسم لأنه يعلمها جيداً منذ أن تزوج بها، بل من قبل ذلك من يوم أن غدرت بزوجته ودبرت كل شئ لقتلها والإستيلاء على مكانها في بيته،
لكنها لم تقوى يوماً على أستمالة قلبه لها، حتى بعد أن أنجبت له حسن صغيره المدلل، حسن الذي كان يعطيه كل شئ ويغمره بحبه وحنانه
الأن يأتي اليه مرتسماً على وجهه الطيبة والحزن من أجله ومن خلف ظهره يدبر خطة للتخلص منه مع رأس الأفعى والدته.
وفي صباح ثاني يوم، استيقظت من نومها وجدته يقف أمام المراءة بكامل هيئته المنمقة وحُلته المرتبة، يصفف شعره وينثر عطره ذو الرائحة النفاثة،
للحظة تناست ما أمسوا عليه في ليلتهم الحزينة، حين حاول كأي زوج جديد في حياة الزوجية الأقتراب من زوجته وأخذ حقه الشرعي منها،
لكنها تمنعت وحاولت أن ترده عن غضبه الذي تملك منه وتظهر أمام عينه شيطانه الذي يسلك له طريق الشر ويحرضه على الكره والعدوانية مع أقرب الناس أليه،
وعندما زكرت إسم والده، نهرها بغضب شديد واستدار على جانبه الأخر معطيها ظهره.
وها هي الأن تعتدل جالسة منحنية الرأس حزينة على ما وصلوا إليه.
لمحها هو في المراءة، وضع زجاجة العطر برفق على السراحة ثم ألتفت أليها ساخراً.
-ها راجعتي نفسك زي كل مرة، عرفتي إنك غلطانة.
رفعت رأسها مندهشة مما يقوله.
-غلطانة ليه عشان عايزة اوعيك للي بتعمله، عشان مش عايزاك تعصى كلام ربنا وتبقى إبن بار بأبوك.
أوصد يديه حول صدره وأبتسم لها مردداً كلامها.
-اعصى كلام ربنا وأبقى إبن بار بأبويا، أممم حلوة اوي الداخلة دي يا مريم هانم، طب أنا إبن عاق وعاصي زي مانتي بتقولي،
واللي حضرتك عملتيه إمبارح دا ياترى حكمه إيه بقي يا شيخة مريم، لو أنتِ مش عارفة أبقي اسألي فيها جدتك هتقولك
إن الزوجة اللي بتتمنع على زوجها وبترفض تديله أبسط حقوقه الملايكة بيفضلوا يلعنوها تعرفي دي ولا ماتعرفيهاش يا ترى.
ازاحت الغطاء من على جسدها ووقفت بتحدي
صارخة في وجهه.
-دا لو كان جوزي أساساً.
تفاجأ بكلمتها هذه لكنه تحلى بجزء من إسمه حتى تخرج ما في صدرها بالكامل له.
-أيوة يا صابر أنا مش حاسة إنك إنت صابر اللي انا حبيته، صابر اللي كان كل كلامه معايا وعود بالعيشة الحلوة، صابر اللي كان بيخاف عليا ومستعد يرمي نفسه في الهلاك عشان، صابر اللي وعدني بالسعادة بعد الجواز
ومن يوم مادخلت بيته ماشوفتش غير القسوة والحزن و الكره لكل اللي حواليه،صابر اللي كان بيدوق كل أنواع القسوة على ايد أبوة وكان بيكرهه، ورغم كده كان بر بيه وفاجئة
بعد الجواز لقيتني اتجوزت من وحش مخيف بيكره ويدمر وينتقم من كل اللي حاوليه،
وللأسف يا صابر إنت بتكره أبوك، لكن في نفس الوقت بقيت نسخة منه
لكن أنا مش هستنى لما أكون نسخة تانية من أمك.
إذا كنت إنت ناوي تبقى فرج النغاس نمرة اتنين
فأنا عمري ما هستنى لما أبقى عزيزة
طلقني يا صابر.