بحركة لا أرادية رفعت معصميها لتداري بهم وجهها، عندما لمحت راحة يده التي رفعها للأعلى قليلاً، ظنت بذلك أنه ربما يصفعها مثلما حدث من قبل فأغمضت عيناها منتظرة ردة فعله.
إبتسم هو علي خوفها الواضح منه، مد يده ليحاوط خصرها وأقترب بشدة منها حتى أنها شعرت بإلتصاق جسدها المرمري بجسده الصلب،
قشعريرة قوية هاجمت إحساسها جعلت عبراتها تسري على وجنتيها وهو يلمسها بلحيته الكثيفة ويهمس في إحدى أذنيها.
-مالك خوفتي كده ليه بس يا قلبي، ما أنتِ لسة كنتي عاملة فيها عشر رجالة في بعض و واقفة بتتحديني.
أهة تألم هامسة خرجت من ثغرها المنمق، حين شعرت بضغط قبضته على جانب خصرها بيد، وباليد الأخرى أنزل يديها من أمام وجهها ناظراً في عينيها الباكية بغضب مكملاً حديثه بقوة.
-بلاش تختبري صبري عليكي وتتفلسفي كتير يا حبيبتي، عشان أنا لعمري هكون زي فرج النغاس ولا هسمحلك إنك تكوني عزيزة،
قولتلك كلمة الطلاق دي مش عايز اسمعها منك تاني عشان مش هيحصل، وماتفتكريش اني عشان سيبتك تنامي إمبارح أبقى مش قادر عليكي لاء يا مريم
أنا لو عايز أعمل حاجة هعملها دلوقتي حالاً وأنتِ هتكوني مرحبة ومستمتعة بيه قبلي، أنا سيبتك بس عشان مانكدش عليكي قبل ما تنامي، و دلوقتي بقى عايز أسمعها منك يلا قوليلي بتحبيني ولا لاء يا مريم.
أجهشت بالبكاء وقررت ان تخبئ عيناها من وهج عينه الغاضبة، لكن لا يوجد لها مكان تختبئ فيه سوى صدره الذي يحتويها ولا تشعر بالأمان خارجه،
لذلك ألقت برأسها عليه وأنكمشت على نفسها بداخله وهي تشهق بالكلمات.
-لاء مش هقول حاجة عشان إنت عارفها كويس أوي، بس إنت بقى اللي مبقاتش تحبني وتخاف عليا.
تنهد تنهيدة قصيرة ثم قرر أن يطمئنها قليلاً وهو يضمها إلى صدره ويغلق عليها بذراعين قويان.
-أنا مابحبش حد في دنيتي دي كلها غيرك أنتِ، بس عشان خاطري ماتطلبيش مني إني ارجع صابر القديم قبل ما أرجع حقي، عشان أنا كل قسوتي دي نابعة من ظلمهم ليا يا حبيبتي.
رفعت وجهها له ونظرت في عينه لتشبعه بمدى عشقها له.
-يلا قوليها بقى خليني أروح شغلي وأنا مطمن وفي حاجة مفرحاني.
-بحبك.
بدء يمطرها بقبلاته الحارة الهادئة وهو يهمس لها.
-مش عايز أسمع كلمة الطلاق دي تاني، إنتِ بتاعتي ومش هاسمحلك في يوم تبعدي عني مهما يحصل ما بينا، وحياتك إنتِ عندي لأعوضك عن كل دمعة نزلت من عينيكي، بس استحمليني لحد ما أخلص من اللي أنا فيه.
-خدني معاك خليني أرجع شغلي تاني.
أبتعد عنها قليلاً وبدء يجمع اشيائه ليذهب إلى عمله وهو يؤكد عليها.
-مش دلوقتي يا حبيبتي، خليكي شوية كمان في البيت لحد الدنيا حوالينا ما تهدى و بعد كده وحياتك عندي لو عايزة ترجعي مديرة عليا أنا شخصياً هرجعك،
واظن يعني إن الأمور بينك وبين ليلي خلاص هديت وبقيتو كويسين مع بعض، ها اتفقنا كده يا ماما.
لم تكاد تطرف عينيها وتعطيه الموافقة التي ينتظرها إلا واستمعوا إلى صراخ الأخرى.
-يا مامييييي
ألحقونييييي
جرى للخارج مفزوع وهو يصيح.
-أصتبحنا استر يا رب
لحقته هي به بمنامتها الحريرية الشفافة القصيرة وشعرها المفرود على ظهرها، تصرخ بأسم الصغير.
-يا لهوي ديشا فين.
فتح باب الغرفه الخاصة بهم، وجدها تقف على الفراش وتجذب الغطاء عليها،
بينما كان هذا الماكر الصغير يجلس متربعاً على الفراش المجاور لها يكتم ضحكاته بصعوبه، ليزجره صابر بالكلمات.
-في ايه، ولاااا انت عملت ايه تاني.
رفع البرئ كتفاه وكأنه لم يعي شئ.
-ماعملتش حاجة، دي باينها مجنونة أنا صحيت على صريخها يا عم.
نظر إليها وجدها تبكي بشدة وتشير إليه على الفراش.
-في تعباااان هنا.
قضب ما بين حاجبيه واقترب على حزر من الفراش بينما علمت مريم بفعلة الصغير وتسحبت من خلف صابر حتى تخفيه من أمامه.
-تعبان هنا في بيتي وكمان وصل لحد سريرك أزاي.
رفع حرف الغطاء قليلاً ليراه بالفعل، اقترب اكثر ليتأكد ولكن ما هذا إنه مجرد لعبة من لعب الأطفال ليس إلا، ليمسكه بيده ويرتد ناظراً نحو الفراش لكنه وجده فارغاً،
-دا جلد...
عاود النظر سريعاً نحو الخارج وجدها تهرب به ليصرخ فيها وهو يراها تتجول بهيئتها الخاصة به هو وحده.
-مرييييم.
لم تتوقف وجرت نحو غرفتها تحاول غلق بابها عليهم إلا انه لحق بهم وزج الباب بقوة ليسقطهم معاً أرضاً.
جحظت عين الصغير وهو يراه يقف فوق رأسه كالمارد، ليحاول إستعطافه قائلاً.
-انا واخد منك وعد، إنت قايلي العب براحتي ومش هتعملي حاجة.
-مش للدرجة دي يا اخويا، دا انت كنت هتوقف قلبها كان ممكن تموت فيها.
-بس شكلها كان يضحك أوي وهي واقفة تتنطط كده.
قال الصغير جملته بعفوية وهو ينفجر من الضحك ويجعله هو أيضاَ يضحك ويجذبه من على الأرض يقذفه خارج الغرفة.
-ولاااا بطل مقالبك دي بقى واطلع برة يلا.
قذفه خارج الغرفة وأوصد الباب عليهم وهو مازال قابض على مقبضه ليسمعها تضحك وتهمس له.
-عارف أنا مبسوطة باللي هو عمله دا عشان شوفت ضحكتك تاني.
-وأنا هاين عليا امسكه اقتله عشان خرجك بالمنظر دا من أوضتك يا هانم.
عاد اليه وجهه الواجم وهو يلتفت إليها لتزحف للخلف متصنعة الخوف منه، وتهمس له بدلال.
-الله ما أنا خوفت على الواد بصراحة لما سمعتها بتصرخ يا صابر.
جذب يدها ليوقفها أمامه ضاممها مرة أخرى اليه.
حتى لو كان في إعصار برة الاوضة دي برضو ماتخرجيش كده، مش طول الليل بتتمنعي عليا وتيجي لما النهار يطلع تتمشي في البيت كده، ماتختبريش صبري عليكي أكتر من كده
عشان ماقفلش باب الأوضة دي عليا انا وانتِ وأنتِ عارفة كويس اوي هاعمل إيه.
تعلقت بذراعيها في عنقه ثم خطفت قبلة رقيقة من على شفتيه هامسه له بحب.
-هتعمل إيه.
زفر أنفاسه متنهداً ومستنشقاً عطرها الذي يسكره،
ثم حل وثاق يديها من حول عنقه وابتعد عنها مكتفي بتلك القبلة الرقيقة مشيراً لها بسبابته.
-أول ما أرجع من الشركة هعرفك هعمل ايه برضاكي بقى أو غصب عنك مش هتفرق.
قال كلمته ورحل سريعاً، تارك الفراشات تطاير من حولها بعد ان أظهر لها القليل من عشقه وغيرته عليها.
وفي تمام العاشرة صابحاً كان يجلس خلف مكتبه يرتدي نظارته الطبية ويباشر عمله يمضي بعض الاوراق ويتابع شاشة جهاز الحاسوب المضيئة أمامه، وسكرتير مكتبه الخاص يقف أمامه يتولى منه بعض الأوامر.
وها هو يستمع إلى ما ينتظره، ولم يهتز له شعرة ولا حتى إهتم مازال محافظاً على ثباته يوقع أوراقه وكأنه لم يسمع شئ.
إنفرج باب مكتبه بقوة ودلف منه حسن الثائر من كثرة الغضب.
-ممكن أفهم معنى الورقة دي إيه.
وإذا به يلقي تلك الورقة من يده في وجه اخيه.
لم يرفع رأسه عن أوراقه واردف بجدية وثبات.
-وطي صوتك، معناها اللي قريته يا بيه، حضرتك اتنقلت للأرشيف.
-إنت بتعمل معايا كده ليييه.
قالها حسن بصراخ ثم حاول الأقتراب منه منفعلاً ليحول بينهم ذلك الموظف الذي مازال يقف ينتظر إنتهاء صابر من توقيعه على الأوراق.
ترك صابر القلم من يده وارتد قليلاً للخلف ليريح ظهره على مقعده.
-إحمد ربنا إنك ماترفدتش إنت عارف بقالك قد ايه متغيب عن العمل، المرة دي اكتفيت بلفت نظرك ونقلك للأرشيف، لكن المرة الجاية مش هيكون ليك شغل عندي وهرفدك.
-ترفدني من ملكي، دي شركة أبويا يا صابر.
إبتسم بسخرية له وبدء يرسم أمام عينه دوائر في الهواء.
-إنت لسة عايش في الوهم دا، ما تفوق بقى يا بني، خلاص كل حاجة بقت ملكي انا دلوقتي وانت بقيت بتشتغل عندي،
والله لو كلامي مش عجبك، وشايف إن الشغلانة دي ماتليقش بمقام حضرتك يبقى تسيبها للي محتاجها، اكيد هيكون واحد بتاع شغل مش زيك.
-هقتلك يا صابر وحياة أبويا وأبوك لأقتلك بأديا دول.
صرخ بها حسن ثم زج الموظف من أمامه وأكمل بإنفعال وهو يرحل.
-أوعى سيبني إنت كمان، أل أرشيف ال، مبقاش حسن النغاس إن مكانتش نهايتك تبقى على أيدي يا صابر.
أنتفض الموظف مندهشاً من تهديده الصريح لرب عمله مشيراً له.
-صابر باشا دا شيطانه إتملك منه كده وممكن ينفذ تهديده.
وكأنه لم يسمع شئ، مد يده له بالأوراق أمراً.
-على شغلك ويا ريت تشوفلي البشمهندس مراد وصل ولا لسه.
بوجه عابث وقبضة من حديد كان يكاد يفتك بعجلة القيادة اسفل يده السليمة، بينما ظل يدق بتلك الجبيرة البيضاء علي نافذة السيارة بحقد بائن،
إلى ان رن هاتفه وانصت اليه، فتح المكالمة ولم تكن سواها.
-ها قابلته ودخلت مكتبك، ولا الباشا صاحب الأملاك عامل فيها رئيس مجلس الأدارة ولسة مجاش.
إعتلى جانب شفاه العلوية وهاتف ساخراً.
-لاء وانتِ الصادقة، دا الباشا راسم الهيبة على الأخر، وبيمارس إدارته على أكمل وجه،
تصوري إنه نقلني أرشيف المجموعة عشان بقالي كتير غايب عن شغلي، لاء وايه عملي لفت نظر بالرفد، وحياتك عندي يا درية هانم لأقتله.
بصوتٍ هادئ ورزين، أجابته.
-لا دا كده بيلعب على تقيل أوي، قولتلك لازم نوريه إننا مش قليلن إحنا كمان.
-معاكي حق يا ماما بس قوليلي، لقيتي حاجة ولا لسه.
-ولا أي حاجة، من ساعة ما انت ما خرجت من الڨيلا، وانا بدور على الدهب قلبت الدنيا من غير فايدة أنا هاتجنن.
-يعني إيه يا ماما، إحنا كده هنطلع من كل الليلة دي بلوشي.
-إهدى وتعالى على هنا، وحياتك عندي لخليه يجبلك حقك لحد عندك.
أغلقت الهاتف وجلست تفكر قليلاً، وفي ظرف دقائق كان هو جالساً أمامها ينتظر ان تملي عليه بتدبيرها اللئيم.
-ها يا ماما هنعمل إيه دلوقتي.
-أنا خايف بعدما نبعت للباشا ابوه ونرجع ندور على الدهب مانلقيش حاجة برضو.
-طب ما نخلص منه زي ما قولت يا حسن.
تفاجأ بنظرتها الشريرة، وحديثها الشيطاني الجاد،
ليهتف متراجعاً عن تهديده بجبن.
-نخلص من مين إنتِ صدقتي يا ماما ولا إيه، إنتِ عايزاني أقتل صابر أخويا.
-اه بس مش دلوقتي، إحنا نخلص من أبوه الأول، ونستنى شوية لحد ما تخلص فترة الحداد عليه و بعدها بقى نخلص منه هو وترجع كل حاجة تبقى ملكك من تاني.
بإبتسامة ساخرة رمقها قائلاً.
-دانتي عايزة تخلصي مني أنا كمان، ما طبعاً لو عملت كده هيتقبض عليا، وهتعدم قبل ما اتهنى بأي حاجة.
ردت إليه نفس الأبتسامة الساخرة، ثم مالت بجسده نحو مقعده مشيرة إليه ليقترب منها بمكر هامسة له.
-كان ابوك أتقبض عليه زمان يا حسن، إنت ناسي انه قتل مراته و حياتك ساعتها ماتحبس ساعة واحدة، بالعكس دا خرج من القسم بزفة وقالو راجل ورد شرفه،
والفضل كله كان ليا أنا.
-شيطانة أنتِ برضو يا ماما مش سهلة خالص
ها هو يتأكد من غدرها له، لم تترك له خيار اخر، قرر أن ينفذ ما عقد نيته عليه.
تحامل على نفسه واعتمد وجهته إلى غرفة نوم زوجته المصون، بدء يخطو على الأرض بحذر مراقباً المكان جيداً،
دلف إلى داخل الغرفة وهو يعلم جيداً أنها خارجها، نعم لقد رأها وهي تبحث في كل مكان في البيت عن كنزها الثمين التي لن تهنئ عليه أو حتى تلمحه بعينيها لحظه واحدة،
فقد حان وقت الإنتقام الأن، ستذوق درية نفس الكأس التي جعلته يسقيه لحبيبته عزيزة.
لمعت عينه بشرارة الغدر ودلف إلي المرحاض الخاص بالغرفة وإذا به يتجه نحو سخان الغاز المعلق بزاوية الجدار.
وبعد عدة دقائق كان قد إنتهي من فعلته واتجه نحو الخارج مرة أخرى.
فتح الباب ليترجل من الغرفة، وجدها في مقابلته تماماً.
-فرج بتعمل إيه هنا، إنت ازاي قدرت تقوم من سريرك أصلاً.
إصتنع الألم وضع كفه على موضع قلبه ثم رمقها بنظرة مزرية.
-مستغربة ليه يا درية، كنتي فكراني خلاص وقعت ومش هتقوملي قومة تاني.
مجرد نظرة غاضبة من عينه، أعادت لها رجفة الخوف بداخلها لترتد قليلاً مفسحة له الطريق.
-ها بعد الشر عليك يا حبيبي هو أنا أقدر اعيش من غيرك برضو، بس قولي إنت كنت بتعمل ايه في اوضتي.
-يعني هاكون بعمل ايه، كنت بدور عليكي اصل الظاهر حضرتك نسيتي إن جوزك نايم في الأوضة اللي جانبك، ولا تلاقيكي قولتي لنفسك تسيبيني مرمي لحد أموت واريحكم مني.
-أخس عليك يا فرج بقى انا تظن فيا كده برضو، طب دانا كنت تحت بحضرلك الفطار بنفسي.
كادت أن تقترب منه لتجعله يستند على يدها، ليدفشها بعيداً عنه بيد ضعيفة، ويزجرها بعين قوية.
-خلاص نويتي تخلصي مني، ويا ترى الطريقة ايه المرة دي، هتسميني يا يا درية.
أنزعجت المرأة اللعوب من حديثه، وكشفت له عن أول خطتها.
-لاء بقى دانت كده تبقى اتجننت، جاي دلوقتي وبعد كل السنين دي تخوني يا فرج،
طب ولما انت خايف على نفسك مني أوي كده قاعد معايا ليه،
ما ترَوح لأبنك الحيلة اللي اخد كل حاجة وطردك من ملكك وخلاك رقدت عاجز يا عيني،
واحنا خلاص مبقناش قادرين نصرف على علاجك، مستني ايه ما تروحله قبل ما أغدر بيك انا واخلص عليك.
-ماحدش عارف مين فينا اللي هيخلص على التاني الأول يا درية.
قال كلمته ثم تحرك نحو غرفته مرة أخرى مغلقاً خلفه بابها في وجهها.
وقفت هي ترمق طيفه بغيظ ثم تراجعت لتترجل على الدرج.
-عجوز خرفان فاكر إنك لسة وحش زي زمان، دانت حتى مابقتش تقدر تخوف عيل صغير يا فرج يا نغاس.
تفاجأ حسن بظهورها أمامه وترجلها مرة ثانية وهو يتناول طعامه على طاولة السفرة.
-نزلتي تاني يعني مش قولتي هتطلعي تطمني عليه و تشوفي إذا كان لسه عايش
ولا...
-عايش وشد حيله وقام من تاني.
شعر بالطعام يقف في حلقه وألقى بالملعقة في الطبق الموضوع أمامه وبدء في السعال،
جلست هي بجواره وبكل برود تفكر في شئ ما وهي تناوله كوب الماء.
-قام ابويا خف من الزبحة وقام يا ماما.
-اللي هيجنني وهيشل تفكيري هو كان بيعمل ايه في أوضتي.