أتنبهت لما اهداها لها تفكيرها لتلتفت إليه موضحة.
-معقول يكون مخبي الدهب في أوضتي.
أنتبه حسن أيضاً لما قالته والدته، لكنه عاد لمضغ طعامه مرة ثانية غير مبالي لتفأولها الزائد هذا.
-بطلي احلامك دي شوية يا ماما، فوقي يا حبيبتي وارجعي على ارض الواقع فرج النغاس مش بالغباوة دي عشان يسلمك دقنه بسهولة كدة.
هبت واقفة متجهة نحو الدرج مرة أخرى وهي تصيح فيه.
-بطل إنت تتفه من كل حاجة كدة، وبدل مانت قاعد مابتعملش حاجة في حياتك كدة فكر معايا فاضل أماكن ايه لسه مدورناش فيها.
لم تكاد الملعقة تصل إلى فمه بالطعام، إلا وألتفت أليها هاتفاً.
-مخازن الشركة القديمة.
استدارت اليه ولم تتحدث ليكمل هو.
-ازاي أنا مافتكرتش حاجة زي كدة ده لسة من كام اسبوع بس بعد جواز صابر شوفته وهو راكب عربيته، وانا كنت راجع من بره في الفجر ولما سألته رايح فين
قالي في شغل في المخازن القديمة ورايح يتمم عليه.
-كل دا حصل ومانتبهتش ليه يا أخي اقول عليك إيه، ناوي تفوق وتفكر إمتى لما نلاقي نفسنا مرمين في الشارع، قوم دلوقتي حالاً روح شوف الشغل اللي في المخازن القديمة دا يبقى ايه.
كان معاها كل الحق في صراخها عليه لذلك لم يمهلها القليل حتى تلقي عليه كم أخر من التوبيخ وفضل الذهاب إلى وجهته مسرعاً.
بينما أسرعت هي إلى غرفتها لتبحث عن مرادها.
بصوتٍ هامس أغلق النغاس الكبير تلك المكالمة السرية والتي لا يعلم محتواها او مع من كان يتحدث إلا هو فقط،
بات يحصد الغرفة ذهاباً وأياباً إلى ان شعر بخطواتها السريعة نحو غرفتها وعند ذلك ربت بيده عدة مرات على قداحة سجائره التي يخفيها داخل جيب منامته، وبخطوات هادئة خفيفة فتح الباب قليلاً ليراها تدلف بداخلها
ليهمس بداخله
-يارب تخرج تاني يا حسن وماتطلعش تنام خليني انهي كل حاجة من غير ما اشيل ذنبك إنت كمان يا بني.
وكان له ما تمنى، حيث اسرع إلي النافذة وهو يستمع لصرير عجلات سيارته فابتسم مردداً.
-الحمد لله سالكة يا درية يلا خلينا نخف من علينا شوية وسريعاً ما ترجل خارج الغرفة ذاهباً أليها.
ظل قابضاً على ذلك المقبض منصتاً إلى تلك الضجة التي تحدثها بالداخل، تلك البلهاء تبحث عن كنزه الثمين ولا تعطي نفسها الوقت حتى لتشتم رائحة ذلك الغاز الذي يتسرب داخل أنفها.
فتح الباب بوجه مبتسم ودلف أليها هاتفاً.
-بتدوري على حاجة يا درية.
كانت راكعة على ركبتيها أرضاً أمام سراحتها الكبيرة مندمجة في إخراج أدراجها وألقاء ما جميع ما بها أرضاً، بعد ان أنتهت من إفراغ خزانة ملابسها التي تبعثرت بالكامل وملئت أرض الغرفة.
اعتدلت بجزعها العلوي لتراه يقف أمامها بوجهع الشاحب الذي يحاول ان يزين تجاعيده بأبتسامته الصاخبة هذه.
-أيوة بدور يا فرج هو فين؟
هاهي الأفعى اللعوب تكشف له عن أنيابها
لكن الليث العجوز ليس بهين أيضاَ، ولا بأس من المراوغة قليلاً للتسلي معها قبل النهاية.
-هو ايه دا بتسألي عن ايه انتِ ضايع منك حاجة.
بحركة جنونية هبت واقفة، وبكل عصبية اقتربت بترنح منفعلة منه، حتى أنها تجرئت وأمسكت بتلابيب منامته الحرارية.
-كفاية ملاوعة بقى، إنت إيه يا أخي مابتزهقش فاكر نفسك هتفضل طول عمرك الغول اللي ماحدش يقدر عليه،
لاا ما خلاص فرج النغاس بكل هيلامانه بقى بح، فوق بقى لنفسك وافهم ان البساط اتسحب من تحت رجلك وحتى صحتك مابقتش مسعادك عشان تقدر تقف عليه من تاني.
بضحكة مرتفعة تلتها سعلة متحشرجة في حلقه اثر تسلل الغاز إلى انفاسه وبيد مرتعشة أسند زراعها.
-إنتِ اللي راحت عليكي خلاص يا درية، عيشتي حياتك كلها عابدة للمال، وهتموتي وانتِ بتدوري عليه.
بدئت تقاوم وهي لا تعي ماذا يحدث لها، اكنها مازلت تتشبث به وبالحياة لأخر نفس.
-مبقاش بقالنا غير الدهب يا فرج، وانت لو مت صابر هيدوس على حسن ب.... ومش هيرحمه.
بدفعة قوية من يده ألقاها أرضاً ثم صرخ هاتفاً.
-بالعكس يا درية حتى لو قولتلك على مكان الدهب و مت بعدها وسيبتك عايشة إنتِ اللي مش هتسيبي صابر في حاله،
عشان كده لازم نموت إحنا الأتنين، ساعتها بس صابر هيرجع يخاف على اخوه تاني وياخده في حضنه ويحاجي عليه
بدئت تسعل بشدة وتراقب خطواته تحت نظراتها المشتتة، جلس على اقرب مقعد وضعاَ قدماً فوق الأخرى بكل شموخ، ثم أخرج من جيبه سيجار من النوع الفاخر
وبكل هدوء حل من حوله غلافاً بلاستيكي رقيق ووضعه بين طرفي شفتيه ثم جذب قداحته باليد الأخرى واشار لها.
-يا ختي انتِ متبتة في الدنيا اوي كدة ليه بقالك ساعة الغاز بيتسرب من حواليكي وانتِ لاحاسة ولا شامة لا حتى روحك عايزة تطلع،
لكن شوفي ربنا الظاهر كاتبلك الموتة دي،
عايزك تتحرقي في نار الدنيا وتخلصي ذنب عزيزة قبل ماتروحي تكملي حسابك هناك.
أخيراً فهمت مقصده وشعرت بتلك الرائحة لتفرد امامه راحتي يدها وتشير له بالنفي محاولة الصراخ بوهن.
-لاااااا اوعى تعمل كده، ابوس رجلك يا فرج مش عايزة أموت دلوقتي،
طب ما انا لو مت إنت كمان هتموت معايا.
-ما أنا كمان عايز أخلص ذنبي واللي عملته فيها هي وابنها، اصلها مفهومه يا درية من قتل يقتل ولو بعد حين.
إلى هنا وأنهى الأمر برمته حيث ضغط على زر القداحة ومع لحظتها رج صوت الأنفجار بيت النغاس وسرحت النيران في تأكل في جدرانه كأكلها في الهشيم.
وبعد مرور ما يقرب من ساعة ونصف من الزمن وصل حسن إلي منطقة ابو رواش في محافظة الجيزة والتي يوجد فيها ذلك المبنى القديم وهو عبارة عن طابق واحد ممتد على مسافة طويلة ومقسم بأكثر من باب، محاوط بسور ينتصفه باب حديدي.
لكن لا يوجد عليه أي حراسة تدل انه به شئ يخشو عليه من السرقه ولا يوجد اي أنسان في المكان سوى رجل عجوز يجلس على اريكة خشبية متهالكة الا وهو غفير المكان منذ سنين.
أقترب حسن بسيارته منه وبدء التحدث معه بتكبره المعتاد وهو يطلق بوق سيارته حتى يوقظه.
-أنت نايم راجل انت، مقعدينك هنا عشان تحرص المكان ولا عشان تستجم يا غفير الندامة.
فُزع العجوز في غفوته ونهض من مخضعه على مضض وبنحنأة ظهر عفى عليه الزمن ردد وهو يقترب من نافذة السيارة.
-مين حسن بيه خير يا ولدي ايه اللي فكرك بالمخازن.
-نعم هو انت هتقولي اجي امتى ولا إيه، إفتح الباب ده خليني ادخل افتح المخازن.
بحركة بطيئة اعطاه الرجل ظهره واتجه نحو الباب مصححاً له.
-لا سمح الله ياولدي أني مش جصدي حاجة، اصل انتو باجالكم ياما ناسين المخازن وعدت فترة كبيرة مافيش حد منكم جه إهنه، خير هو في شونة أسمنت وحديد جاية ولا حاجة.
اوقف حسن سيارته وترجل منها وهو يفكر في حديث هذا العجوز وقبل ثم تخطاه متجهاً نحو الباب وهو يسأله.
-تقصد إيه بكلامك دا اللي اعرفه ان ابويا كان هنا من كام اسبوع بس.
تركه العجوز يفعل ما يشاء وجلس على أريكته مرة أخرى مندهشاً.
-واه ومن ميتى يا والنغاس باشا بياجي بنفسه يا ولدي دا حتى المخازن فاضية وماتشونش فيها اي حاجة من ياجي اكتر من سنة.
صعق حسن من هذا الحديث، هل يمكن أن يكون معناه أن والده أراد تضليله، أم أن هذا الرجل قد ذهب عقله ولم يعد يفرق بمرور الزمن من حوله.
لم يعيره اي أهتمام وتقدم نحو المخازن ظل يفتح ابوابهم واحداً يتلو الأخر ويدلف أليهم يبحث في كل جزء دون فائدة،
جميعها فارغة ولا يوجد بها شئ، وهذا ما تفاجأ به وجعله يعلم في لحظتها أن والده كان يشتت إنتباهه عن وجهته الأساسية.
فأحنى رأسه واستقل سيارته، ثم أدار محركها وهو يجر خلفه ذيول الخيبة إلى والدته.
جلس صديقه أمام مكتبه يناطحه تارة ويردعه عن أفعاله تارة أخرى، يشجبه عن ما فعله بأخيه ويحاول أن يرده عن فكرة الأنتقام التي استحوزت عن كل تفكيره دون فائدة.
-انا مش معاك في اللي انت بتعمله ده يا صابر، إنت طول عمرك بتعتبر حسن إبنك مش أخوك يبقى ليه تدخله في اللي بينك وبين أبوك،
ولا أنت مش مكفيك أنك اخدت كل حاجة، فاقولت تعمل كده عشان ماتديش اخوك حقه.
بماذا يخبره الأن، يقول له أن اخيه الاصغر والذي كان يعتبرهابنا له بالفعل هو من بدء بالعداء معه،
هو من كان يريد أن يعتدي على شرفه ويقضي على سمعة أبنة خالته لمجرد أنها وقفت بجانبه وعاونته في أخذ حقه،
لكن إذا حكى له سيكون هو من جاء بسيرتها وفضح امرها لذلك سيصمت وليأخذ صديقه عنه تلك الفكرة التي ترصخت في عقل الجميع عنه.
-اسكت يا مراد إنت ماتعرفش حاجة.
-ومش عايز أعرف يا أخي، بس انا عايز الفت نظرك لحاجة بسيطة أوي أنت بأسلوبك الجديد ده هتكسب الفلوس اه، لكن هتخسر كل اللي حاوليك وأولهم أقرب الناس ليك يا صابر.
ومن يكون اقرب الناس له سواها، لذلك أحتلت الدهشة تقاسيم وجهه وبدون سابق إنذار سأله.
-هي مريم كالمتك.
جحظت عين مراد وأندهش هو الأخر ثم حاول تعنيفه.
-ليه هو انت خلاص مباقش ليك غير مريم، يا بني ادم انا بتكلم عن اخوك.
جن جنونه وكاد أن يصرخ فيه لكنه تفاجأ بولوج مدير شركة التأمين والخاصة وهو ضابط سابق
والمسئول عن تأمين الشركات والمواقع وأيضاَ قصر فرج النغاس.
-باشمهدس صابر حضرتك لسه ماوصلش ليك الخبر
-في اي يا حضرة الظابط، ازاي اصلاً تدخل عليا مكتبي بالطريقة دي.
-يا فندم في انفجار كبير حصل من شوية في قصر النغاس باشا، وعلي اثره حصل حريق هايل في كل ارجاء القصر.
إنفزع من جلسته وأول ما جاء على باله، هو الد أعداءه ومن لا يقوى أبداً عن التبرء منه
وأول كلمة خرجت من بين شفاه المرتجفة كانت.
-ابوياااا
هرول مسرعاً للخارج واتبعه صديقهُ الذي لا يفهم ما يحدث من حوله حتى الأن.
وبعد مرور نصف الساعة قد وصل حسن إلى ارض الحدث
وعلى بعد أمتار قليلة من سور القصر وجد عدد لا بأس به من سيارات الأطفاء والمياه تغرق الشارع من حوله،
ترجل من سيارته ورفع رأسه قليلاَ وهو يقترب يصعق من هول هذا المشهد المروع،
السنة النيران تنبثق من نوافذ القصر والأدخنة تتسابق إلى السماء
أقترب أكثر من هذا الحاجز البشري من رجال الشرطة و الذي يحول بين أخيه و بين باب القصر ليصرخ والدموع تتلئلئ في عينه
-عملتها يا صابر.
تفاجئ به يقف خلفه، تغاضي عن إتهامه له وهتف له.
-مصيبتنا كبيرة اوي يا حسن، أبوك وامك كانوا جوه القصر لما حصل الحريق.
مد له يده قاصداً إحتضانه والشد من أذراه
لكنه تفاجأ بدفعه ليده واتهامه المباشر له.
-عملت اللي انت عايزه، مكافكش إنك أخدت كل حاجة، كمان حرمتني منهم، قتلت القتيل وجاي تمشي في جنازته.
صوته العالي لفت نظر جميع الحاضرين الكل ينظر اليهم بإنتباه، وقبل ان يمد يده إلى عنق أخيه كان مراد يحول بينهم ويتشبث بذراعيه محاولاً ردعه عن ما يفعله.
-لاء يا حسن أوعى الغضب يعميك ويصورلك حاجات ماحصلتش أخوك كان معايا من بعد ما انت ماخرجت من الشركة واحنا الاتنين إتفاجئنا بالخبر،
صابر مالوش اي علاقة بالحريق.
نفض حسن ذراعيه من بين راحتي مراد وصرخ فيه.
-طبعاً وإنت هتقول إيه غير كده، مانت صابحه وطول عمرك سره، تلقيك مشاركه في اللي حصل دا.
-كده الموضوع يبقى فيه شبه جنائية يا باشمهندس صابر.
كان هذا حديث ضابط الشرطة والذي كان يراقب الأحداث هو و وكيل النيابة عن بعد.
أستدار حسن له وهتف.
-بالظبط كده يا حضرة الظابط، أنا بتهم أخويا الكبير صابر فرج النغاس بحرق القصر وقتل أبويا وأمي جواه.
صرخ مراد مدافعاً عن صديقه الواجم بصمت.
-أسكت يا حسن كفاياك ظلم فيه بقى يا أخي.
وهنا تدخل وكيل النيابة موجهاً الحديث إلي صابر.
-شايفك ساكت يعني يا باشمهندس، دانت حتى ماحولتش تدافع عن نفسك.
-أدافع عن نفسي لو انا متهم ، بس تصدق حضرتك أنا فعلاً كنت بتمنى لمرات أبويا موتة زي دي ويمكن لو كانت ماتت بطريقة افظع من كده برضو كنت هبقى سعيد لكن أبويا لاء.
ومع إنتهاء حديثه صرخ حسن محاولاً الأمساك به التشاجر معه مره أخرى.
-هقتلك يا صابر ورحمة امي اللي حرمتني منها لأقتلك بأديا دول.
لقد اندلعت شرارة الحقد، وعلم الجميع مدي العداء بينهم ويلا حصرة الوجع الذي يدمر القلوب علي فراق الأخوة ويلا قسوة القدر حين يخبئ بين طياته الألام لكل منهما.
وهنا هتف الضابط فيهم ليفضهم عن شجارهم.
-خلوا خلافكم دا لبعدين، لحد ما الطب الشرعي يحضرو ويشوفو شغلهم، وإذا اتأكدنا فعلاً إن فيه شبهه جنائية، الكل هيبقى مدان لحد مانعرف مين الجاني الأصلي.
لقد تأخر كثيراً عن موعد رجوعه، لقد أمسى عليهم الليل وبات الظلام يكتسح السماء إلا بضوء القمر وبعض النجوم تتلئلئ من حوله
ظلوا جالسين بحديقة الڨيلا ينتظروه، والصغير يلهو من حولهم، حاولت الأتصال به أكثر من مرة دون فائدة، إلى أن لي لي كادت أن تقذف الهاتف من يدها من شدة الزهول فرمقتها بإندهاش.
-مالك كنتي هترمي الموبايل من ايدك كده ليه
-في خبر منشور على النت بيقول إن القصر بتاع عمو فرج حصل فيه حريق وهو ومراته ماتوا فيه.
هبت واقفة وهي تصرخ وتجري داخل القصر.
-يا نهار أسود صابر فين أنا لازم أطمن عليه، لازم اروح ليه دلوقتي حالاً.
حاولت الأخرى اللحاق بها.
-أستني بس يا مريم هو أحنا عارفين هو فين دلوقتي.
لم مهلها القليل وجرت نحو الدرج وهي تفتح هاتفها لتجري محادثة أخرى بصراخ.
-مطرح ما يكون هالقيه وهاروحله.
-ألو أيوا مراد فين صابر أكيد إنت معاه مش كده.