الفصل السادس عشر
سحب ذراعه من أسفل جسدها، أعتدل جالساً منتبهاً إلى ما ألقاه عليه ذلك الحارس، ثم سحب سرواله القطني القصير وارتداه وهو يتحدث معه بنبرة أمرة غضوبة.
-ماتدخلش حد من باب الڨيلا لحد ما أطلبك تاني.
وبعدها أغلق الهاتف وهب واقفاً مهرولاً نحو المرحاض.
-مالك يا صابر في إيه.
كان ذلك رد مريم التي تركها وكأنه لم يمسسها او حتى شعر أنها غافية بجواره.
-مافيش يا مريم إنتِ مش كنتي عايزة تنامي ، نامي يا حبيبتي وارتاحي بس الاول قومي البسي حاجة عليكي احسن الواد ديشا يدخل لما يشوفني تحت.
-إنت رايح فين هتنزل وتسيبني.
-إمممم ودا سؤال برضو تسأليه يا قلبي، داحنا ماشاء الله علينا موعدين، ال وانتِ اللي كنتي عايزانا نستنى ،
إذا كان حسن اللي لسه ضربه ومكسره مش قادر يصبر، نامي يا مريم نامي أنا هاخد شاور وأنزله.
أعتدلت جاحظة العينين مندهشة مما قاله، أكيد وجد حسن هنا بعد ما حدث ليس إلا ليأخذ بثأره منه ومن ليلي،
ها وهل ستتركه حتى ينفخ أنفاسه في وجه حبيبها، لا لن تترك أحد يعكر له دمائه ويغرس الشر في قلبه أكثر من ذلك.
برغم ألامها تحملت على نفسها، لفت ذلك الشرشف الخفيف حول جسدها واتجهت سريعاً نحو غرفة الملابس لترتدي شئ نظيف ومحتشم.
سريعاً ما ارتدت ملابسها وحجابها وأتجهت نحو باب الغرفة لكن قبل ان تقبض بيدها على مقبضها وجدته يجهر بها من الخلف.
-مريم
التفت ناظرة إليه لتسمعه يهمس بترقب وبحاجب مرتفع وهو يقترب منها.
-رايحة فين.
سؤاله مع نظرته اربكوها فأحنت رأسها بخوف.
-عادي يعني كنت نازلة تحت يا صابر
-لاء ماتنزليش خليكي هنا.
رفعت عيناها مندهشة من رده هذا، وتأكدت ان في الأمر سوء.
-ليه يا صابر إنت هتحدد إقامتي في بيتي وتقولي أقعد فين وأنزل تحت إمتى.
بجانب راحة يده زجها من خلف الباب وإذا به يفتح الباب ويترجل منه وهو يأمرها.
-بلاش فلسفة أنا مش فاضيلك دلوقتي عشان افتح معاكي منقاشات، عالله تنزلي من علي السلم دا يا ريت تسمعي الكلام بهدوء بقى.
تفاجئ بالأخرى تصعد في مقابلته بفستانها المبتل وعيناها الدامعة.
-صابر شوفت الولد النوتي دا عمل فيا ايه، الولد دا لازم تمشيه من هنا دلوقتي حالاً.
-اطلعي اوضتك دلوقتي حالاً مش عايز اشوف طيفك تحت لأنتِ ولا الهانم اللي مابتسمعش الكلام دي.
أشار بسابته عليها وهي واقفة أعلى الدرج، وبتحذير همس.
-أنا مش عايز أحلف عليكي بالطلاق، فايريت ماتخلنيش أعملها.
-يا صابر.
-على جوووووه.
دبت بقدمها أرضاَ وتحركت على مضض نحو الداخل، ليتجه بنظرته الغاضبة إلى تلك البلهاء التي تقف بجانبه لا تفقه شئ،
وعندما تواجهت بعيناها مع ضباب ليله الموحش قفذت الدرجات بسرعة البرق وهي مرتعبة.
ليجهر بصوته على الصغير.
-ديشااااااا.
ترجل الصغير من غرفة الطهي ينظر إليه بريبة.
-بتزعق ليه
-تعالى ماتخفش أنا عايزك.
أقترب الصغير منه على حظر، وانحنى بجزعه العلوي عليه رابتاً بيده على كتفه.
-بص اللي هتعمله دلوقتي هيشفعلك عندي اي حاجة عملتها وهتعملها كمان طول ما إنت قاعد هنا في بيتي.
فرح ديشا بهذا الحافز يبدو أن ايامه القادمه في هذا البيت ستجنى بالمرح.
-يا سلام إمت تامر يا عمو صابر.
وإذا به يهمس في أذن الصغير.
احبسي لي الاتنين اللي فوق دول في اي اوضه مش عايز اشوف واحده منهم هنا لحد الضيف اللي جيلي ما يمشي.
-ماشي كلامك.
جرى الصغير إلى الأعلى، بينما فتح هو هاتفه وتحدث بكلمة واحده.
-دخل الضيف اللي عندك يا بني.
ثم أغلق الهاتف واتجه نحو غرفة مكتبه.
صعد ديشا اليهم وجدهم يقفون أعلى الدرج، بجانب بعضهم يراقبون ما يحدث بالأسفل
ليهتف فيهم بضجر.
-مالكم واقفين كده ليه هو مش قالكم مش عايز يشوفكم.
أمسكته مريم من يده وأوقفته بجانبها.
-إستنى بس يا ديشا أما نشوف حسن جاي ليه.
تفاجئت ليلي بما قالته وتراجعت بخوف.
-إيه حسن ودا جاي يعمل ايه تاني بعد اللي حصل منه.
قضبت مريم ما بين حاجبيها بعدم فهم.
-هو ايه اللي حصل منه يا ليلي.
أحنت رأسها بحزن وصمتت ليتفاجئوا برد هذا الملعون.
-أنا عارف هو جاي ليه.
حاولو الامساك به والأنقضاض عليه ليخبرهم بما يعلمه لكنه جرى نحو الداخل.
جرو خلفه وبدئت مريم تناديه.
-عارف إيه اخص عليك يا ديشا هتخبي على مريم حبيبتك.
لتهتف ليلي أيضاً.
-الولد ده نوتي وصعب اوي بصراحه يا مريم.
ليضحك الصغير عليها ويسخر منها هاتفاً.
-بقى كده يا بليلة طب وربنا لتشوفي.
دلف سريعاً إلي غرفة الأطفال وهم من خلفه يحاول اصطياده والأمساك به إلا أنه قفز على الفراش.
-الله انتو كلكو عليا ولا إيه.
مدت مريم يدها له بهدوء تام.
-تعالى ليا انا يا حبيبي، مش انت مش بتحب تقعد غير معايا أنا مريم حبيبتك.
إفتعال ديشا الإنتباه إلى اللاشئ واصطنع التصنت الى صوت قادم من النافذة.
-إيه دا عمو صابر بيزعق اسمعوا كده الصوت جاي من الشباك.
جرو نحو النافذة، وقفز هو سريعاً نحو الباب ساحباً مفتاحه من الداخل وإذا به يغلقه بسرعه وهو يكركر علي نجاح حيلته البسيطة.
وحين استمعوا إلى غلق الباب، جرو نحوه ليفتحوه لكن بعد فوات الأوان قد أوصده ذلك الشقي من الخارج.
وهنا صرخت مريم منزعجة من أفعاله.
-واد يا ديشا عارف لو مافتحتش الباب ده، هاتصل علي أبوك دلوقتي حالاَ واقوله يجي ياخدك من هنا.
ليأتيها الجواب على الفور.
-مش هاتقدري يا مريم عارفة ليه، أصل تليفونك معايا.
لتهتف ليلي ايضاً.
-قولتلك دا ولد مؤزي باد بوي.
-أهدي علينا ياست بليلة إنتِ كمان، أنا بنفذ أوامر عمو صابر صاحبي، اقعدوا هادين بقى واسمعوا الكلام لحد ما يقولي أفتحلكم.
قال كلمته وجرى نحو الدرج ليشير له من أعلاه بأن كل شئ قد تم.
ابتسم له الأخر من الأسفل واشار له بأن ينتظره بالأعلى، فجلس على الدرج ضامماً قبضتيه أسفل وجنتيه.
جلس على مقعده خلف مكتبه ينتظره، وحين دلف به حارس الأمن، أشار له بأن يرحل وظل ينظر إليه بغضب حتى أغلق أشرف الحارس الباب وبعدها اردف بإنزعاج.
-والله أنا مستغرب ازاي أبقى لسه عامل فيك كل اللي أنت فيه دا ويبقالك عين تجيلي لحد بيتي.
أخرج حسن ما بجعبته وهتف.
-أنا مش جايلك من نفسي، ولو عليا ماكنتش جيت ولا بصيت في وشك حتى، لكن حضرتك مكالفتش خاطرك ورديت على كل أتصالتي بيك عشان تعرف أنا عايز منك إيه.
رفع جانب شفاه العلوي دليلاً على سخريته منه.
-خير يا حسن باشا عايزني في ايه، ولا أستنى أقولك أنا ما هو أكيد حاجة من الأتنين.
يأما خسرت على تربيزة اللعب و مش معاك فلوس تدفع، أو أتهجمت على بنت تاني ما أنت خلاص فلت عيارك على الأخر.
بطريقة هجومية أوقفه عن حديثه الساخر هذا وصرخ في وجهه.
-أبووووك بيموت.
العجيب أنه لم يتأثر أو حتى يظهر على وجهه الضجر بكل راحه اعطاه الرد.
-أبويا مات بالنسبة لي من يوم ما عرفت أنه قتل أمي بدم بارد، والي إتسببت في كده أمك إنت.
لا ينكر أنه تفاجأ برده هذا، أيعقل أن يكون هذا أخاه الحنون أيعقل أن يكون هذا صابر الذي كان يتمنى دائماً أن يستمع إلى كلمة عطف من والده
اليوم يقول هذا الحديث عليه بل ويتهم والدته بالأشتراك معه أيضاً في تلك الجريمة.
-إنت ازاي تقول على أبوك كده، مش هو دا الراجل اللي كنت طول عمرك بتتمنى منه كلمة رضا، ولا لما خلاص حطيت ايديك علي كل حاجة مبقاش يهمك.
؛ظل محتفظاً بهدوئه وبثباته القاتل ازعجه قائلاً.
-بالظبط زي ما أنت بتقول كده، أنا واحد جاحد وطماع يا سيدي خليك إنت راجد ولو مرة واحدة في حياتك وأقف جانب أبوك اللي طول عمره بيدلعك وياخد مني عشان يديلك.
صمت حسن قليلاً يفكر ثم رفع له رأسه بخزي.
-مش هقدر يا صابر أنا مش معايا حتى تمن العلاج بتاعه.
-لاء اجمد واسترجل كده، وقول للماما تطلع من اللي حوشته من ورا فرج بيه، أصل خلاص مبقاش في صابر ترمي همموك عليه تاني يا أبن أبويا.
إلى هذا الحد وكفى لن يزل نفسه له أكثر من ذلك، سيريه أنه ليس بصغير زجره بنظرة غاضبة وأعطاه ظهره ليرحل لكن قبل أن يخطو خطوة واحدة إستمع إلى أخر أمر يتلقاه من أخيه.
-إعمل حسابك من بكره لو مارجعتش الشغل تعتبر نفسك مفصول عن العمل.
لم يلتفت إليه وذهب من حيث ما أتى.
زفر صابر أنفاسه بحزن علي ما وصل أليه من حال، وبرأس متخبط وضع جبينه بين راحتي يده، يفكر في والده وهل ما فعله به كان هو سبب مرضه.
فتح الصغير عليه الباب و وقف ينظر إليه بريبة وهدوء.
-عمو صابر
.....
-يا صاحبي انت سامعني يا عمو.
-ها تعالى يا مصطفى سامعك يا حبيبي.
-أنا شوفت الراجل أبو ايد متجبسة خارج من عندك قولت أجيلك عشان أسألك أفتحلهم الباب ولا أستنى.
للحظة لم يتذكر وجودهم من الأساس وسأله.
-هما مين دول اللي تفتحلهم.
جحظت عين ديشا وفرغ ثغره، ثم هتف وهو يصفق كفيه ببعض.
-يا نهار اسود إنت نسيت مريم طب ازاي.
قبل أن يجهر الصغير ويجري صاعداً أليها ويتفاقم الأمر بينه وبينها اشار له.
-ايوةيأخي فاكر طبعاً إنا قافل عليها هي وليلي فوق خلاص روح إفتح ليهم يلا.
تحرك ديشا نحو الخارج وهو ينبهه.
-أنا هاروح أفتح لمريم حبيبتي وانزلها معايا، إنما بليلة قريبتك دي هي حره بقى عايزة تنزل تنزل مش عايزة يبقى خليها.
رغماً عنه إبتسم له وهمس.
-والله أنا ما فايق ليك لأنت ولا واحدة منهم حتى.
وعندهم في الغرفة وقفت ليلي بجانب النافذة تراقب باب الخروج بعين دامعة بعد أن بدلت فستانها المتسخ.
ورأته أخيراً يترجل من عند أخيه ويستقل سيارة والده لكن قبل أن يتحرك بها رمقها،
نعم هي من استحوذت على قلبه وأنتشالته من بين ضلوعه، هي من خدعته بأسم الحب وجعلته فريسة لأخيه، هي حبيبته ومعذبته ومن تظن به دائماً السوء،
وبرغم كل هذا لم يشفع عشقه لها عندها، وأشعلت بعبراتها النيران في قلبه، ليجد لسانه ينطق بها دون وعي منه بهمس عاشق.
-أنا أسف سامحيني.
فجائة أختفت عن نظره وكأنها قرأت حركة شفاه لتحتل مكانها زوجة أخيه التي زجرته بعين غاضبة، ليقود السيارة سريعاً ويرحل من أمام الڨيلا.
قبضت على راحة يدها وشعرت مريم برجفتها لتحاول تهدئتها وهي تربت على كتفها بحنان.
-خلاص أهدي يا ليلي هو مشي.
لا تعلم لما روادها هذا الشعور وأطمئنت لها هكذا وبدون سابق إنذار، ألقت بنفسها بين ذراعي مريم وأجهشت بالبكاء وهي تهتف.
-أنا اللي وصلته للحاله اللي كان فيها يا مريم، أنا اللي خليته يعمل كده.
اخذتها مريم بين أحضانها وجلستبها علي الفراش وهي تحاول ان تنبها.
-مادتيش لحد أخطئ في حقك أي مبرر عشان تشفعيله وتغفري له غلطه ياليلي، بصي إنتِ حكيتي ليا اللي حصل وقولتي إنك عرفتيه إنتي عملتي كده ليه يبقى هو كان لازم يهدى ويفكر قبل ما يحاول..
ضغطت على شفتيها السفلى قبل أن ينطقها لسانها وصمتت حين فتح ديشا الباب وهو يبتسم لهم.
-خلاص تقدرو تنزلو دلوقتي.
انتفضت مريم بغضب وتركتها وسريعاً ما جرت خلفه وهي تصيح.
-خد ياض إنت هنا بقى بتسمع كلام صابر وتحبسني يا ديشاااا.
جرى الصغير أمامها سريعاً وهو يصرخ خوفاً منها.
-الله وأنا مالي بس يا مريم ماهو اللي قالي، ألحقني يا صاحبي.
بسرعة البرق كان يقف اسفل الدرج، ويتلقفه بين يديه وهو مندهشاً من تلهفها لأمساكه.
-في إيه يا مريم إنت خلاص مخك ضرب.
زجت يده من عليه وسحبته خلف ظهرها وهي تنهره.
-أوعى سيب الواد، هو إبن عمي أنا ولا إبن عمك إنت، وإنت بقى والله لوريك يا مصطفى إن ماكنتش أتصل بأبوك دلوقتي وأقوله يجي ياخدك.
ظنت أنه سيحاول أن يسحبه من يدها او حتى يدافع عنه، لكنها تفاجئت به يعود إلى غرفة مكتبه بهدوء.
-اعملي اللي تعمليه أنا أصلاً مش فاضيلك.
جلست على الدرج وبجانبها جلس مصطفى واضعاً يده أسفل وجنته.
-هو ماله يا ديشا.
-من ساعة ما كان بيزعق مع الراجل ابو ايد مكسورة وهو مكشر كده.
-هما صوتهم كان عالي أوي.
-مش اوي بس كان باين من صوت عمو صابر إنه زعلان وكمان الراجل دا لما خرج كان وشه زعلان.
طب اطلع اقعد مع ليلي وبلاش تضايقها دلوقتي عشان هي كمان في حاجة مزعلاها.
أومئ لها برأسها ووقف ليصعد للأعلى، بينما تحركت هي نحو زوجها.
دلفت أليه وجدته يقف أمام النافذة موصداً يديه خلف ظهره ويبدو على وقفته الغضب،
قربت راحة يدها على ذرعه ومسدت عليه بهدوء.
-صابر
وبكل رزانة وصمود أردف.
-نعم.
-هو حسن كان جايلك ليه ومشي زعلان وإنت كمان زعلان ليه.
-بجانب عينه إلتفت إليها ثم استدار ليجلس خلفه مكتبه وهو يجيب على سؤالها.
-حسن كان جاي عشان يقولي إن ابويا تعب لدرجة أنه ممكن يموت، ومشي زعلان عشان كان فاكر أنه هيرمي الحمل عليا زي كل مرة، لكن انا قولتله
المرة دي لاء خليه بقى يتعلم يشيل شيلته لوحده.
تفاجئت برده القاسي ولم تعي معنى حديثه هذا فجلست أمامه لتلقي عليه بسؤالها الثاني.
-قصدك ايه يا صابر إنت هتسيب أبوك يموت فعلاً.
بقبضة يده ضرب على زجاج مكتبه بقوة لدرجة أفزعتها وجعلتها ترتد للخلف وهو يجهر في وجهها.
-مات يا مريم، فرج النغاس مات بالنسبة لي عارفة من إمتى من يوم ما عرفت إنه قتل أمي غدر، من اللحظة اللي عرفت فيها أنه معيشني طول حياتي اللي فاتت على وهم إن أمي كانت ست خاينة.